عناوين الأخبار

من هم أصحاب السعادة؟!

الأحد 1 شعبان 1445هـ 11-2-2024م       -       23:45:37 م
من هم أصحاب السعادة؟!

الدكتور محمد بن عوض المشيخي

أجمل ما يتمناه الإنسان في هذه الحياة التي قُدِّرَ لنا أن نعيش فيها وأن نصارع فيها مختلف التيارات ونركب الأمواج العاتية وننحني أمام العواصف المختلفة، وذلك لتحقيق حلم أو بالأحرى “وَهْمٍ” اسمه “السعادة الأبدية”؛ وذلك بأي ثمن كان، نريد أو لا نريد هكذا هي الأقدار!

الكثير من الناس في هذا الكون الرحب يعتقدون- بما لا يدع مجالًا للشك- أن مفاتيح السعادة تتمثل في وجود عدة مقومات أو عوامل يجب أن تكون حاضرة في حياتنا اليومية، كامتلاك المال والعمارات وتقلُّد المناصب الرفيعة، والاقتران بنوعية معينة من البشر يتمتعون بمواصفات معينة من الجمال اليُوسفيّ، وكذلك الصحبة الطيبة من الأصدقاء الذين يصدقوننا القول ويكونون لنا مثل المرآة التي تعكس لنا واقعنا وتساعدنا على تصحيح سلوكنا واعوجاجنا إذا ما حصل ذلك منا؛ لكي نتجنب نقد الآخرين وكلامهم الذي قد يعكر أجواء السعادة التي نطمح إليها.

لكن في واقع الأمر، نجد على الجانب الآخر من هذه الحياة من البسطاء من البشر الذين هم في أعلى درجات السعادة والوئام، وكذلك يتمتعون بصحة جيدة، بعيدًا عن التوترات اليومية والقلق الزائد الذي يُنهك الأجسام ويعطِّل العقول ويقصر الأعمار نتيجة الضجر والخوف من المستقبل، والسبب في ذلك بالطبع هي القناعة والرضا والإيمان بالله بأنه هو الرازق لكل المخلوقات في هذا العالم. ولعلنا هنا نتذكر الحديث النبوي الشريف لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول “من أصبح منكم معافى في جسده، آمنًا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها”.

لا شك أن القناعات الحقيقية هي مصدر سعادة وبهجة للقليل من البشر في كوكبنا الذي نقاتل فيه بعضنا بعضاً من أجل الفوز بالمكاسب والسيطرة على منافع هذه الدنيا الفانية. وهذا لا يحصل على مستوى الأفراد فقط؛ بل على مستوى الجماعات والشعوب والأمم مُنذ خطيئة قابيل الذي قتل شقيقه هابيل بسبب الغيرة والمنافسة والحصول على المكاسب حتى ولو على حساب الإخاء والصحبة حتى يومنا هذا.

هناك اعتقاد على نطاق واسع بأن السعداء في الدنيا هم سكان الأكواخ والبيوت البسيطة والخيام من أصحاب الدخل المحدود؛ لأنهم وضعوا أطماع الدنيا جانبًا وأصبح همهم الأكبر الكفاح والعمل بجدية وإخلاص، للحصول على ما يسد رمقهم ويسترهم عن السؤال. بينما نجد على الدوام الشقاء والأحزان مرسومة بوضوح على وجوه وملامح من يرتاد القصور المنيفة وناطحات السحاب الزجاجية من أصحاب النفوذ والسلطة والمال، والتي تضم أرقى أنواع الأثاث والموائد التي يرفع لها مختلف أصناف الطعام، وهؤلاء في الأساس ينتمون إلى الطبقة المخملية التي تملك كل شيء إلّا راحة البال.

فإذا كانت السعادة على علاقة وثيقة بالفقراء الذين يثقون بخالقهم ويؤمنون بقسمة الله بين عباده؛ فهناك قاعدة وسنة إلهية في خلقه، وهي التغيير؛ فالدوام لله وحده، فقد يتم تبادل المراكز والأدوار بين الناس يوماً ما، بحيث يخسر الغني ثروته ويصنف في أعداد المُعدمين والمساكين، والعكس صحيح أن يتحول الفقير من طبقة الكادحين إلى علية القوم من الأثرياء، بحيث يتم تبادل الأدوار في الثروة والمال بينما يفقد الطرفان السعادة الدائمة.

ولا يمكن أن تُرفرف أجنحة السعادة بيننا، إلّا بالخروج من هذا الصراع الطبقي في مجتمعنا الذي أصبح بحاجة ماسة للتوافق والانسجام أكثر من أي وقت مضى، وقبل ذلك كله تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين المواطنين؛ والرضا بقسمة الله وقدره، فعلى التاجر المقتدر أن يتصدق من ماله على الفقراء، ويخرج الزكاة، لأن لا استقرار لتجارته وسط بلد فيه فقراء يبحثون عن لقمة العيش. وعلى حامل الشهادات العلمية أن يكون مخلصًا وأمينًا في إفادة المجتمع بما تعلمه، وعلى المسؤول أو صاحب المنصب أن يدرك أنه أتى لهذه الوظيفة لخدمة المجتمع وليس للتعالي والتكبر، انطلاقًا من مبدأ أن المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفًا.

قد ابتُلينا بالعديد من الأمراض الاجتماعية المقيتة والمدمرة للمجتمع؛ كالحسد والكراهية والتعالي على الآخرين؛ مما ترتب على ذلك مراقبتنا للناس من حولنا، بهدف التعرف على أملاكهم ووظائفهم ودخلهم من أعمالهم التجارية. فعندنا تُهم جاهزة لهؤلاء الذين يظهر ثراؤهم على الملأ، أو يتولون مناصب عُليا، ونصفهم اجتماعيًا بكبار المسؤولين والأغنياء، وتتمثل هذه التهم بالغش والسرقة وجمع المال بطرق غير مشروعة.

وفي الختام.. يجب التأكيد هنا على أن السعادة لا تشترى ولا تمنح ولا تباع؛ بل يجب أن نعرف كيف نصنع لنفسنا ولمن حولنا مقومات السعادة الحقيقية، لنكون أسعد هذا الخلق في الدارين، وذلك بالإيمان بالقدر خيره وشره، وبما قسّمه الله لنا من أرزاق، والأهم من ذلك أن نملك شجاعة التسامح والعفو عند المقدرة عن الناس، ونترك شؤون الخلق للخالق؛ فالسعادة هي شعورنا الإيجابي نحو قطار الحياة الملئ بالمغامرات والتحديات التي يمكن أن نحولها إلى مكاسب حقيقية، إذا ما أحسنّا التصرف في إدارة أمورنا، معتمدين في ذلك على ما منحه الله لنا من عقل وخبرات متراكمة؛ لكي ننظر بأمل وتفاؤل لمن حولنا فقد نجد السعادة تحيط بنا من كل صوب.

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

يمكنك الوصول للخبر بسهولة عن طريق الرابط المختصر التالي:
https://alssehafi.org/?p=41837

شاركنا بتعليق








لا يوجد تعليقات بعد



 إنفاذاً لتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم السيامي الصومالي إلى الرياض لدراسة امكانية فصلهما

إنفاذاً لتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم السيامي الصومالي إلى الرياض لدراسة امكانية فصلهما ..... المزيد

 جمعية عين لطب العيون تستعد لاطلاق الاسبوع العالمي للجلوكوما

جمعية عين لطب العيون تستعد لاطلاق الاسبوع العالمي للجلوكوما ..... المزيد

 ضياء: الإكثار من الماء أثناء السحور قد يرهق الكلى ويمهد لانخفاض “الصوديوم”

ضياء: الإكثار من الماء أثناء السحور قد يرهق الكلى ويمهد لانخفاض “الصوديوم” ..... المزيد

 مركز الملك سلمان للإغاثة يطلق برنامج “أمل” التطوعي السعودي للأشقاء في سوريا

مركز الملك سلمان للإغاثة يطلق برنامج “أمل” التطوعي السعودي للأشقاء في سوريا ..... المزيد

 بتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم الملتصق السوري إلى الرياض تمهيداً لفصلهما

بتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم الملتصق السوري إلى الرياض تمهيداً لفصلهما ..... المزيد

 انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة ” أفرح حافظا ” بتنظيم جمعية هدى بشرق مكة

انطلاق التصفيات النهائية لمسابقة ” أفرح حافظا ” بتنظيم جمعية هدى بشرق مكة ..... المزيد

 ال طروش يحتفلون بزفاف الدكتور يحيى

ال طروش يحتفلون بزفاف الدكتور يحيى ..... المزيد

 أعضاء مجلس شموخ وطن يحتفون بالشيخ محمد بن علي الغبيشي

أعضاء مجلس شموخ وطن يحتفون بالشيخ محمد بن علي الغبيشي ..... المزيد

 أمانة جدة تحصد شهادة غينيس للمرة الثالثة

أمانة جدة تحصد شهادة غينيس للمرة الثالثة ..... المزيد

 أمانة جدة تنظم حفل معايدة لمنسوبيها

أمانة جدة تنظم حفل معايدة لمنسوبيها ..... المزيد