الأمن الفكري
جمعة الأشرم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. وبعد:
فإنّ الأمن الفكري والثقافي هو صمام الأمان الأول، وخط الدفاع الذي إذا سقط كان الاضطراب فيما جاء بعده، فيجب أن يأتي في مقدمة الاهتمام بمفهوم الأمن كله، لأنّ فيه أمنَ الأرواح، وأمنَ الأعراض، وأمنَ الأموال، وأمنَ الغذاء، وأمنَ الصحة، وأمنَ العمل. مفهوم الأمن الفكري
إنّ الأمـن الفـكري مصطلـح مركب، وسيتم تعـريف هـذا المصطـلح بعـد تعـريف مفـرداتـه
الأمن لغة:
يمكننا تحديد معنى الأمن لغة بأنه سكون القلب وطمأنينته ، ويعتبر الأمن ضد كلمة الخيانة
قال ابن فارس: (أمن) الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضد الخيانة، ومعناها سكون القلب، والآخر التصديق"
وقال ابن منظور: "الأمن ضد الخوف".
الفكر لغة:
(فكر)فِي الْأَمر فكرا أعمل الْعقل فِيهِ ورتب بعض مَا يعلم ليصل بِهِ إِلَى مَجْهُول، و(أفكر)
فِي الْأَمر فكر فِيهِ فَهُوَ مفكر، و(افتكر) تذكر وَفِي الْأَمر أعمل عقله فِيهِ، و(تفكر) فِي الْأَمر افتكر، و(التفكير) إِعْمَال الْعقل فِي مشكلة للتوصل إِلَى حلهَا، و(الْفِكر) يُقَال لَيْسَ لي فِي هَذَا الْأَمر فكر لَا أحتاج إِلَيْهِ وَلَا أُبَالِي بِهِ، و(الفكرة) الْفِكر وَالصُّورَة الذهنية لأمر مَا، و(الفكير) الْكثير التفكير.
الأمن اصطلاحاً:
يمكن القول أن الأمن اصطلاحا هو حماية حقوق الناس من الضياع وسن الإجراءات والقوانين المناسبة لذلك .
عرفه الجرجاني: "عدم توقع مكروه في الزمان الآتي".
ويمكن تعريفه بأنه: " مجموعة من الإجراءات التربوية والوقائية والعقابية التي تتخذها السلطة لحماية الوطن والمواطن داخلياً وخارجياً، انطلاقاً من المبادئ التي تؤمن بها الأمة، ولا تتناقض أو تتعارض مع المقاصد والمصالح المعتبرة".
الفكر اصطلاحاً:
والفكر هو التصور في القلب وحركة بالنفس لاستحضار الأشياء .
والفكر: حركة النفس في المعقولات، بخلافها في المحسوسات، فإنّها تخييل لا فكر.
قال ابن القيم: "الفكر هو إحضار معرفتين في القلب، ليثمر منهما معرفة ثالثة، كاستحضار الدنيا وصفاتها، والآخرة وصفاتها، ليثمر من ذلك أيهما أحق بالإيثار".
تعريف الأمن الفكري باعتباره مصطلحاً مركباً:
هو " أن يعيش الناس في بلدانهم وأوطانهم وبين مجتمعاتهم، آمنين مطمئنين على مكونات أصالتهم، وثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية".
أهمية الأمن الفكري وأدلته
أهمية الأمن الفكري.
إنّ الأمن الفكري من الأمور العظيمة التي تشغل المجتمع اليوم، وهو أهم أنواع الأمن، لصلته بهوية الأمة، تلك الهوية التي يجب أن نحافظ عليها أمام أخطار الغزو الثقافي، الذي يهدم العقيدة، ويخرب دنيانا، لذا اهتمت الشريعة بالفكر وأمنه، علماً أنّ هذا المصطلح لم يُعرف قديماً، بل عبر عنه بحفظ العقل،الذي يُعتبر أحد الكليات الخمس في الدين التي أوجب الشارع الحكيم حفظها، ومن ضّيع هذه الكلية فقد ضيع معلوماً من الدين بالضرورة.
كما أن الإسلام يعدُّ أيضاً التفكير الصحيح مقصد من مقاصد الشريعة، والمتأمل في الآيات التي تحتوي عبارات التفكر، التذكر، والعقل، والتدبر قد يجد جهداً في حصرها.
يقول الشيخ محمد طاهر بن عاشور: إنّ إصلاح التفكير من أهم ما قصدته الشريعة الإسلامية في إقامة نظام الاجتماع من طريق صلاح الأفراد، وبهذا نفهم وجه اهتمام القرآن باستدعاء العقول للنظر والتذكر والتعقل والعلم والاعتبار، وأن ذلك جرى على هذا المقصد، فأنبأنا عن استقراء اهتمامه والإفصاح عنه بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلا بد من الاهتمام بالدعوة الإسلامية الصحيحة المعتدلة الملتزمة بالإسلام، حتى لا يترك
المجال خالياً لدعاة الانحراف الفكري، ليشوه صورة الإسلام جهلاً أو تجاهلاً، والذي يقود إلى الإفراط والغلو في المفاهيم التي تهدد أمننا الفكري.
فيجب تخليص الدعوة من كل نزوع نحو التطرف والتشدد، وكيف نصونها من كل علاقة
مع الفكر المنغلق المظلم المتشائم، الذي يمكن أن يفرخ الإرهاب، فالفهم الخاطئ للدين ومبادئه وأحكامه، والإحباط الذي يلقاه الشباب نتيجة افتقارهم إلى المثل العليا التي يؤمنون بها في سلوك المجتمع أو سياسة الحكم، والفراغ الديني يعطي الفرصة للجماعات المتطرفة لشغل هذا الفراغ بالأفكار التي يروجون لها ويعتنقونها، كما أن غياب الحوار المفتوح من قبل علماء الدين لكل الأفكار المتطرفة، ومناقشة الجوانب التي تؤدي إلى التطرف في الرأي يرسخ الفكر المتطرف لدى الشباب، ومن جهة أخرى نرى أنّ الكثير من دعاة العنف والتطرف والتزمت يفتقدون منهجية الحوار، ويرفضون الدخول في محاورة الآخرين حول معتقداتهم وأفكارهم مما يدفعهم إلى العمل السري، ومن هذه الأمور تتجلى الخطورة على الأمن الفكري .
أدلته من الكتاب والسنة.
كما مضى من خلال تعريفنا للأمن الفكري ، فإنّ الأمن الفكري مصطلح حديث النشأة، ويعرف قديماً بحفظ العقل، الذي حرص عليه الإسلام، ويتجلى ذلك من خلال الأدلة التالية:
الأدلة من الكتاب:
ــــ قال تعالى: )الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(.
فسر الطبري الظلم في هذه الآية بالشرك، وهو أمر متعلق بالفكر، إذ أنّ" الشرك نوع من اعتقاد فاسد قائم على معطيات فكرية زائفة، فإذا كان الإيمان الملبس هو الشرك، فإن الشرك الخالص هو التوحيد المنسجم مع العقل والفطرة السوية، فالأمن من هذا المنظور هو نتيجة لمعطيات فكرية وليس معطيات حسية".
ــــ قال تعالى: ) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( ففي ذلك التحذير من فعل بني إسرائيل، الذي هو قمة الانحراف الفكري.
ــــ قال الله تعالى: )يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(، وقال الله تعالى: )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(، فالعلم الصحيح من الأسس التي تحمي أمننا الفكري.
ـــــ وقال الله تعالى: )ووَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (، ففي هذه الآيات حصر الله تعالى علم الغيب به، مما يحمي فكرنا من طرق والدجل والشعوذة والاستعاذة بالجن والعفاريت وغيرها.
الأدلة من السنة:
ــــ قال صلى الله عليه وسلم: (((إنَّ الْأَحْمَقَ الْعَابِدَ يُصِيبُ بِجَهْلِهِ أَعْظَمَ مِنْ فُجُورِ الْفَاجِرِ، وَإِنَّمَا يَقْرَبُ النَّاسُ مِنْ رَبِّهِمْ بِالزُّلَفِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ) ، فنجد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يحض على العقل، الذي به الأمن الفكري من الوقوع في انحرافات الفجور والعصيان.
ـــــ قال عليه الصلاة والسلام: ((يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ)) ،فالنبي صلى الله عليه وسلم يحث على قتل المنحرفين فكرياً، صيانة لأمن المجتمع.
النشأة والتطور
نشأة الأمن الفكري.
لابد من التفريق بين أمرين، هما: الأمن الفكري، ونشأة مفهومه، فالأمن الفكري والاهتمام به عند المسلمين قديم، ويتجلى ذلك في ردود السلف الصالح على الأفكار المنحرفة للفرق الضالة.
فنرى الإمام علي رضي الله عنه مثلاً يرسل ابن عباس رضي الله عنه للرد على انحرافات الخوارج الفكرية حفاظاً على الأمن الفكري للأمة الإسلامية.
أما حديثاً فإنّ نشأة الأمن الفكري كمفهوم بدأ مع ظهور التيارات الفكرية التي تتخذ من التكفير منهجاً، فكان لابد من وقفة جادة لمحاربة هذا الفكر الضال، فالنشأة للمفهوم كانت عملية وليست نظرية، ويتمثل ذلك في الخطب والتعليم والمؤلفات المؤصلة على المنهج الشرعي والمحذرة من اختلال الفكر، أما التركيز على نشأة المفهوم والتأصيل لو فقد ظهر في
فترة لاحقة.
تطور الأمن الفكري.
لقد تطور مفهوم الأمن وأنواعه وأدواته مع التقدم العلمي ، ودخول العولمة في ساحتنا الإسلامية وتطور التقنيات الحديثة ، واما هذا التطور لابد من المسلمين من تأمين دينهم وثقافتهم وتراثهم من كل خلال قد يصيبها ويفتتها .
إنّ تطور مفهوم الأمن الفكري يتجلى في السعي إلى تحقيقه وذلك من خلال جهات متعددة، أهمها:
1ـــ المؤسسات الدينية: ويتجلى ذلك واضحاً من خلال نظام الحسبة، والذي يناط به مسؤولية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومحاربة كل ما يضر بالعقل.
2 ـــ المؤسسات التعليمية: والتي تدرس المناهج الوسطية، البعيدة عن الغلو والتطرف.
3ـــ مراكز البحوث العلمية: ويظهر ذلك بكثرة البحوث في الآونة الأخيرة التي تدعو إلى الفكر الوسطي وتحقيق الأمن الفكري، وتبقى الحاجة قائمة إلى تفعيل ما تضمنته تلك البحوث من توصيات واقتراحات.
4 ـــ المؤسسات الثقافية والإعلامية: من خلال شاشات التلفزة والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي انتشر فيها الحث على الأمن الفكري.
فإذن حماية أمننا الفكري وتطوره يجب أن تقوم به المؤسسات التي تتكاتف فيما بينها لحماية أمننا الفكري ، وهذا أيضا يحتاج لوعي من القائمين على هذه المؤسسات واعي بما يدور حولنا وتحدد الطرق والسبل في تطوير أمننا الفكري ، حفظ الله البلاد والعباد .
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين..مركز الملك سلمان ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة ..... المزيد
المؤتمر الوزاري العالمي من جدة: إنشاء مركز تعلم الصحة الواحدة لمقاومة مضادات الميكروبات ..... المزيد
ولي العهد يلتقي الفريق الطبي السعودي الذي نجح في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة باستخدام الروبوت في العالم ..... المزيد
“الصحة”تطلق حملة التحصين التكميلية للحصبة والحصبة الالمانية والنكاف ..... المزيد
سبل والصحة يوقعان اتفاقية على هامش ملتقى الصحة العالمي 2024 ..... المزيد
فهم ما يجري في المنطقة من اضطرابات
صدقة يحيى فاضلمجتمعنا بحاجة لمؤسسة تعزيز الصحة
الدكتور عبدالرحمن القحطانيهل بدأ اليوم التالي في المنطقة؟
حمود أبو طالبالتعليم: لا علاقة للعلاوة السنوية بالرخصة المهنية ..... المزيد
ضبط 3.6 طن من الثوم المخالف في نطاق بلدية بريمان بجدة ..... المزيد
البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية ..... المزيد
أمانة جدة تزيل 34 مظلة مخالفة ضمن حملة ميدانية لتصحيح المشهد الحضري” ..... المزيد
أمانة محافظة جدة تعزز التواصل بين القيادات والموظفين في اليوم العالمي لإدارة المشاريع ..... المزيد
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد