إن لم تكن عنصر بناء فلا تكن عنصر هدم

هاني بن سعيد الزنيد 

كانت الحاجة هي الأساس والسبب الأول لبناء و تكوين مجتمع والعيش مع الجماعة، فالدولة الفرعونية مثلا تكونت بعد أن مل سكان مصر من الخلافات حول الماء حيث كان يروى القوي و يعطش الضعيف ومن هنا اتفقوا على ارتضاء شخص يحكمهم وينظم الشرب فيما بينهم، فعندما تعيش في أي مجتمع فلابد أولا أن تعرف قيمة هذا المجتمع وقيمة وجوده وقيمة ومكانة كل عنصر فيه ومن هنا تكون الانطلاقة لتطويره، وأسرع الطرق لمعرفة قيمة المجتمع هي تخُيل عدم وجوده فمن ستكون لو كنت فردا تعيش خارج هذا المجتمع.

للأسف البعض منا يعيش كالدابة وبتعطيل تام لنظام التفكر و التفكير الذي يميز الإنسان عن الحيوان، فما هي قيمة الإنسان لولا فكره وتفكيره.

الأسرة هي أصغر المجتمعات إلا أنها أهم المجتمعات ومن خلالها تتحدد نسبة نجاح المجتمع الأكبر و نسبة فشله، فالناجح في أسرته سيكون حتما ناجح في عائلته وقبيلته و دولته والعكس صحيح.

من هنا يجب أن تقيم نفسك و تحدد هل أنت عنصر بناء للمجتمع أم عنصر هدم كخطوة اولى نحو التغيير، وينبغي أن تكون أنت الشخص المقيم لذاتك فأغلب المجتمعات لاتجرؤ عناصرها على النطق بالحقيقة.

هل تقدم تنازلات ليعيش أبناؤك بسلام؟ هل تحرص على سعادة أبنائك وزرع الابتسامة على شفاههم؟ هل تحرص على حل مشاكل حياتهم؟ هل تحرص على تطويرهم العلمي والفكري؟ هل تقدم لهم الدعم المعنوي في توجهاتهم وميولهم؟ هل تقدم لهم عبارات الشكر والتقدير والثناء بشكل يومي واسبوعي و شهري؟ هل يشتكي أبناؤك لك من هموم حياتهم وصغار تفاصيلها ؟ هل يشعر أبناؤك بالسعادة عندما يتواجدون بجوارك ؟

إذا كانت الإجابة نعم،،،، فأنت عنصر بناء لهذا المجتمع ولهذه الأسرة فتنازلات حياتك كانت سبب أول في تخفيف المشاكل والخلافات مما زرع الابتسامة على شفاه مجتمعك وبالتالي أصبحت تعمل على حل مشاكل الحياة فضلا عن مشاكل الأسرة ، و لهذا أيضا أصبحت قادرا على تطوير ابنائك لأنهم يعيشون في بيئة صالحة للتطوير، ولأنك عنصر بناء ولست عنصر هدم يمكن أن يلجأ لك أبناؤك ليشكوا لك ضغوطات حياتهم و مشاكلهم اليومية فأنت بالنسبة لهم عنصر بناء وحل ولست عنصر هدم و إحلال، وبالتالي أصبحت مصدر سعادة لأبنائك وبوجودك وبقربك منهم تكتمل سعادتهم.

هل تتشدد في كثير من الأمور وتخلق المشكلة والخلاف؟ هل تترك سعادة ابنائك للحياة تتخذ قرارها دون أي مجهود منك؟ هل يحرص أبناؤك على حل مشاكلك فضلا عن حرصك على حل مشاكلهم؟ ؟ هل اعتاد أبناؤك على غياب مصطلحات الشكر والثناء من قاموس تعاملهم معك؟ هل يحل أبناؤك مشاكلهم فُرادى دون إقحامك فيها؟ هل يشعر أبناؤك بالحزن و التعاسة في كل اجتماع لهم بجوارك نتيجة ماتختلقه من خلافات ؟

إذا كانت الإجابة نعم،،،،، فأنت وللأسف عنصر هدم للأسرة والمجتمع، تشددك وحرصك على الخلافات اشغله عن إسعاد أبنائك وزرع ابتسامتهم ، وبدل أن يحظى ابنائك بمساعدتك في حل مشاكلهم بعطف وحنان الأب اصبح أبناؤك في صراع مع قسوتك ومشاكلك التي هدمت بداخلهم الكثير من المشاعر، ولأنك عنصر هدم لم و لن تقدر مايقدمه ويفعله أبناؤك ولم تنطق بالشكر و التقدير لتبني لديهم الثقة و حب مافعلوه وقدموه بل قد يصل الحال للنقد الجارح لكل ماترى ، ولأنك أشغلت أبناءك بحل خلافاتك حرمتهم من لذة البوح والشكوى لك من معاناتهم و همومهم اليومية، ولافتقادك لعنصر التقدير أصبحت تتطاول على لحظات سعادتهم بجوارك و تنتهز فرصة الخلاف لتطوره إلى مشكلة تشغل من حولك بحلها وتذهب دون اكتراث بما يعنيه تحويل السعادة إلى حزن والاجتماع إلى تفرقة.

اغتنموا لحظات السعادة، فقاموس الحياة يحوي في طياته الكثير من المضادات للسعادة فالحزن والمرض والألم والموت والفقد جميعها كلمات سنستخدمها يوما ما..

كونوا مصدر سعادة لأبنائكم فسيأتي يوم تصبحون فيه ضمن الذكريات أو يصبحون هم كذلك، فاجعلوا ذكراكم مقترنه بالسعادة لا بالحزن.

لاتشغل نفسك بتقدير الجار والصاحب وتهمل الأبناء فغرف العمليات بالمستشفيات لايوجد خلفها الا ابن و أخ و الأبناء هم من يطيلون البقاء والأمل والرجاء لعمق مشاعرهم و صدقها.

لاتهملوا المشاعر والأحاسيس واحرصوا على مراعاتها وتقديرها و اعتادوا إهداء السعادة وزرع الابتسامة .

كفوا ألسنتكم عن الانتقاد والذكر لمساوئ الآخرين فانشغالكم بالآخرين هو السبب الأول لتجاهلكم أنفسكم ومساوئها .

* أديب وشاعر سعودي