قراءة في كتاب”صورة الطفل في الشعر السعودي المعاصر”
د. محمد بن فتحي الأعصر
صدر في عام 1433ﻫ بمكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض كتاب (صورة الطفل في الشعر السعودي المعاصر) للدكتور/ حمد فهد القحطاني، أستاذ الدراسات الأدبية، بجامعة الطائف.
يُعد هذا الكتاب من الكُتب المهمة في المملكة العربية السعودية التي فتحت آفاقا أرحب في مجال الدراسات والبحوث الأدبية المتعلقة بأدب الطفل السعودي المعاصر خاصة والعربي عامة.
وترجع أهمية هذا الكتاب كما ذكر المؤلف في مقدمة كتابه إلى شقين أو محورين مهمين، الأول: كون الدين الإسلامي اهتم بالطفل، وجعل له أهمية عالية، وهذا ما جَعَلَهُ يكتب عنه دراسة مستقلة متخصصة، والثاني: أن الطفل في الشعر السعودي لم يحظ بدراسة مستقلة، إلا لماما في صورة مقالات لا ترقى لدراسة علمية حقيقية (1).
وكان سبب اختياره لهذا الموضوع تحديدا هو شدة حبه للطفل، الذي شكل النواة الأولى للملكة العربية السعودية، وإيمانا منه بالمستقبل المشرق بالعلم والمعرفة، والوفاء والإخلاص، ووجود الحب والعاطفة التي تربط بين الدين والوطن كما تربط بين الطفل والحياة(2).
فسبب اهتمام المؤلف إذن بتأليف الكتاب يرجع لوازع ديني حي في وجدانه، وحبه للطفل كما لمسنا ذلك من إهدائه لأطفاله فلذة كبده خاصة، والأطفال عامة، ولعل مولد ابنه "فهد" وهو الطفل الأول له هو الذي دفعه لكتابة هذه الدراسة، مما جعل التطبع يطغى في الكتابة على بعض الجوانب(3) .
والسبب الآخر يرجع إلى أن المؤلف لم يقف على كتاب مستقل أو دراسة متخصصة في أدب الطفل السعودي، فرأى قصورا في هذا الجانب المهم من قبل الباحثين والدارسين السعوديين، فكان هذا دافعا له بالقيام بهذه المهمة كواجب ديني ووطني، وعلمي يفرض عليه القيام بدراسة مستقلة تتناول أدب الطفل السعودي المعاصر.
فكان دافعه من تأليفه هو محاولة التعرف على صورة الطفل تنظيرا وتطبيقا، ومحاولة معرفة ما قدمه الشعراء تجاه الطفل في جميع الجوانب المتعلقة به.
وقد اعتمد المؤلف في دراسته على المنهج التحليلي الوصفي، ومعروف أن المنهج التحليلي الوصفي يحظى بالقبول الواسع لدى الأوساط الأدبية لما فيه مرونة في تناول النص الأدبي وإبراز جمالياته والوقوف على خصائصه، وعرض موضوعاته.
وقد قسم المؤلف كتابه إلى تمهيدٍ، ومبحثين، وخاتمة أبرز فيها أهم النتائج التي توصل إليها.
أما التمهيد، فقد حدد فيه المقصود بالطفل عند علماء اللغة والاصطلاح، وفي التراث الديني" القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف"، وتناول بشيء من التفصيل حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية.
والملاحظ في هذه الجزئية تحديدا أن المؤلف اعتمد على بعض المراجع غير الأصيلة في بابها، فتساهل في الحصول على المعلومات، ويا حبذا لو اعتمد على المصادر الأصيلة الخاصة بكتب الشريعة الإسلامية والسنة النبوية، بدلا من النقل والأخذ من باحث أو كاتب معاصر.
والملاحظ أيضا في التمهيد تحديدا كثرة نقوله واقتباساته دون نقد لما يَنقل من مصادر ومراجع.
أما المبحث الأول، فقد عرض فيه المؤلف للموضوعات المتعلقة بصورة الطفل لدى جل الشعراء السعوديين، وقسمه إلى عدة محاور كما يلي:
الأول : عن استقبال المولود والفرح والابتهاج بقدومه، فاستشهد ببعض النصوص الشعرية التي تكشف عن كيفية استقبال المولود الجديد والفرح والسرور بقدومهم وخاصة لدى الشعراء.
والثاني : يعرض لتسمية المولود، وحقوق المولود في اختيار الأسماء الحسنة له، وتجنب الأسماء المكروهة، ذاكر بعض النماذج الشعرية التي تشير إلى أهمية التسمية الحسنة، وضرورة الاختيار الموفق.
والثالث : عن الحب والعطف من قبل الآباء لأطفالهم، وقد تناول بعض الشعراء السعوديين جانبا من العطف والحب لأطفالهم في قصائدهم، مستشهدا المؤلف بعدد لا بأس به من النصوص الشعرية.
والرابع : يتحدث عن الشوق وذكريات الآباء لمواقف أبنائهم في طفولتهم من لعب وكليمات وهمهمات، ومواقف أخرى طريفة محفورة في ذاكرته لا تنسى، تتجدد باستمرارية كلما كبر أبناؤهم، فاستشهد المؤلف ببعض النصوص الشعرية الدالة على شوق الآباء لأبنائهم وحنين ذكرياتهم.
والخامس : النصح والإرشاد، ويعرض المؤلف فيه لنصح الآباء لأبنائهم وتوجيههم.
والسادس : يتناول فيه المؤلف دعاء الآباء لأبنائهم، وارتباط هذا الدعاء بالتراث الديني الإسلامي. وقد رأى المؤلف من خلال استعراضه لبعض النصوص الشعرية المتعلقة بالدعاء، أن الآباء عندما يدعون لأبنائهم فإن الدعاء يجمع أو يربط بين الدنيا والآخرة، وقد وفق المؤلف في هذه الملاحظة الجديرة بالذكر.
والسابع : يبرز الطموح والتفاؤل لدى الأبناء، ويعرض فيه المؤلف جانبا من تناول الشعراء لهذه الميزة متمنين لأبنائهم مستقبلا واعدًا.
والثامن : يتناول فيه المؤلف الحديث عن صور براءة الأطفال، في عيون الشعراء وطريقة وصفهم لهذه الخصيصة، مستشهدا بروائع الشعر السعودي.
والتاسع : يتحدث فيه عن مشاكسة الطفل، وما عرف عنهم بكثرة الحركة والتنقل واللعب.
ويرى المؤلف أن الطفل الذي لا تتوافر فيه هذه الصفات ربما يكون ناقص النمو، أو به خلل في بناء قوامه الجسمي أو العقلي. وأتفق مع الدكتور حمد في هذه الملاحظة المهمة التي ارتآها.
والعاشر: يتحدث فيه المؤلف عن صورة اللعب عند الأطفال. والملاحظ أن المحور التاسع يتفق بعض الشيء مع هذا المحور. فيا حبذا لو دمج المؤلف هذين المحورين، ليكونا بعنوان " مشاكسات الأطفال ولعبهم".
أما الحادي عشر والأخير: فيتحدث فيه المؤلف عن فن مهم من فنون الأدب العربي، وهو فن الرثاء، عرض فيه الشاعر لرثاء الشعراء لأطفالهم وحزنهم عليهم.
أما المبحث الثاني من الكتاب فيتعلق بالدراسة الفنية، وفيه عدة محاور،
الأول: تحدث فيه عن ظاهرة التكرار باعتبارها ظاهرة بارزة في صورة الطفل عند الأدباء السعوديين.
ولكنه يرى أن نازك الملائكة أكثر من عبر عن وظيفة التكرار الفنية، مستشهدا برأيها(4) . دون ذكر منه لأسباب هذا الاتفاق في الرأي.
ويسرد المؤلف كثيرا من النصوص الشعرية التي يؤيد بها حجته على بروز التكرار في صورة الطفل عند الشاعر السعودي.
ويخلص من هذا المحور إلى تنوع السمات الأسلوبية لوظيفة التكرار لدى الشعراء من تكرار الحرف، أو الجملة الأسمية والفعلية، أو تكرار كلمة، أو شبه جملة، أو شطر، أو تقسيم كبداية المقطع نهايته، مما يؤدي إلى عمق الأسلوب، وتوظيف التكرار لأجل مقاصد فنية عميقة كما يرى ذلك(5).
ثانيا : يتناول فيه المؤلف الحديث عن الأسلوب في بناء الصورة، وقد عرض فيه لبعض النقاط المهمة، كظاهرة التشخيص وقام بتعريفها والتطبيق عليها من خلال بعض النصوص الشعرية.
وتحدث المؤلف عن ظاهرة التجسيد وعرفها بكونها تضفي الطابع الحسي على المعنويات، واستشهد بعدد من الأبيات الشعرية لشعراء مختلفين.
وتطرق للحديث عن ظاهرة التجريد، فقام بتعريفها. ولكنه لم يوفها حقها، فلم يعرض لنماذج شعرية كافية للتطبيق على تلك الظاهرة، حيث اكتفى بنموذجين شعريين لشاعر واحد. ربما لندرتها في شعر أدب الأطفال أو لصعوبة الحصول على الدواوين الشعرية.
والنقطة الأخرى التي تعرض لها هي "أنماط الصورة الشعرية" في دراسته، فقسمها إلى أربع صور، صورة بصرية، وصورة حسية، وصورة ذوقية، وصورة شمية. مستشهدا بعدد لا بأس به على الصور الأربع.
وفي نهاية دراسته أشار للصورة الحركية والجامدة، والصورة المفردة والكلية، فقام بتعريف كل صورة على حدة مع الاستشهاد بالنماذج الشعرية لشعراء مختلفين، وإن كان المؤلف حقيقة لا يختلف أو يتفق مع بعض النقول التي يوردها في دراسته، ولا يوضح في بعض الأحيان سبب هذا الاتفاق.
وآخر شيء تأتي الخاتمة ليعرض فيها المؤلف خلاصة ما توصل إليه. ولكن الخاتمة جاءت تقليدية في نتائجها عبارة عن سرد لأقوال أو رؤى ذكرها في ثنايا دراسته. وكان الأولى أن يذكر فيها أهم النتائج التي توصل إليها لينير الطريق لغيره من الباحثين الجدد المهتمين بهذا المجال.
ولكن مع ذلك فإن تلك الملاحظات لا تقلل من قيمة هذا الكتاب وجدواه وأثره الطيب لدى الدارسين، باعتباره مرجعا جديدا لدراسات أدب الطفل، ولفت انتباه الباحثين للاهتمام بأدب الطفل السعودي خاصة والعربي عامة
(1) صورة الطفل في الشعر السعودي المعاصر: د. حمد فهد جنبان، ص 6.
(2) السابق نفسه.
(3) السابق نفسه.
(4) صورة الطفل في الشعر السعودي: د. حمد فهد، 55.
(5) السابق نفسه، 66.
قراءة وتعليق الدكتور / محمد بن فتحي الأعصر
*أستاذ الدراسات الأدبية والنقدية المساعد، بكلية التربية والآداب بتربة، جامعة الطائف
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين..مركز الملك سلمان ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة ..... المزيد
المؤتمر الوزاري العالمي من جدة: إنشاء مركز تعلم الصحة الواحدة لمقاومة مضادات الميكروبات ..... المزيد
ولي العهد يلتقي الفريق الطبي السعودي الذي نجح في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة باستخدام الروبوت في العالم ..... المزيد
“الصحة”تطلق حملة التحصين التكميلية للحصبة والحصبة الالمانية والنكاف ..... المزيد
سبل والصحة يوقعان اتفاقية على هامش ملتقى الصحة العالمي 2024 ..... المزيد
فهم ما يجري في المنطقة من اضطرابات
صدقة يحيى فاضلمجتمعنا بحاجة لمؤسسة تعزيز الصحة
الدكتور عبدالرحمن القحطانيهل بدأ اليوم التالي في المنطقة؟
حمود أبو طالبالتعليم: لا علاقة للعلاوة السنوية بالرخصة المهنية ..... المزيد
ضبط 3.6 طن من الثوم المخالف في نطاق بلدية بريمان بجدة ..... المزيد
البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية ..... المزيد
أمانة جدة تزيل 34 مظلة مخالفة ضمن حملة ميدانية لتصحيح المشهد الحضري” ..... المزيد
أمانة محافظة جدة تعزز التواصل بين القيادات والموظفين في اليوم العالمي لإدارة المشاريع ..... المزيد
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد