الإتقان.. ودوراته المتعاكسة

فيصل أكرم
(مقاربة): بنظرة فاحصة، وإن كانت خاطفة، لمختلف الأزمنة المنقولة إلينا في مصادر نحسبها موثوقة، نجد أن السجال بين القبح والجمال يتخذ دورات زمنية تتمدد فتشمل كل البقاع منحازة تارة إلى الجمال، فتتحقق الإنجازات وتتوالى الانتصارات ويظهر الإبداع شعراً ونثراً وفناً متجلياً يواكب عظمة الإتقان في كل هذه الروائع ويتجاوزها إلى خوارق خالدة.
وفي دورات أخرى من الأزمنة، بالنظرة الفاحصة الخاطفة نفسها نجد أن الإتقان قد انحاز إلى البشاعة والقبح والرداءة والجريمة الخسيسة في كل حالاتها غير المسبوقة بالتدني، فأصبح في قبضتها، يتوغّل بها إلى تخريب لكل ما حققه – هو الإتقان نفسه – في دورة سابقة!
لستُ أمزح والله؛ فكل الأشياء من حولنا تنطق بذلك بدون أن تدري لماذا. ولا أحد غير الله يدري لماذا (الإتقان) يبدو على الواقع بهذا الشكل؟ هل هو كائنٌ حيّ مُدركٌ محاسبٌ مثل الإنسان والجان؟ كائنٌ لا نراه ولكنه يهبُّ كالنسيم في اتجاه الجمال والعدل والخير والإبداع مرة فيجعل كل الجميلين والعادلين والخيّرين والمبدعين يتقنون أعمالهم بأشكال تتفوّق على كل الأزمنة السابقة وتظلّ شامخة في الأزمنة اللاحقة، ثم هو الإتقان نفسه يهبُّ كالسموم في دورة معاكسة فيجعل كل الأشرار والمفسدين والجهلة والحمقى والفاشلين المخربين يتقنون كل هذه الكوارث إتقاناً لا يجاريه إتقانٌ معاكس حتى وإن حاول؟؟
نطالع الكتب الجديدة، ونقرأ القصائد الجديدة، ونسمع الأغاني الجديدة، ونشاهد المسلسلات الجديدة.. هل نجد إتقاناً في الروعة أم الرداءة؟؟
أقولُ متأسفاً: إتقانُ الرداءة هو الطاغي على كل إتقان الآن، ومن الصعب مجاراة هذا الإتقان في دورته العكسية بإتقانٍ مضاد.. إذْ لا بدّ من إيقاف (إتقان السوء) عند هذا الحد من إفساد كل شيء أولاً، فبإيقافه سينطلق (إتقاننا المرجوّ) محققاً الانتصارات والإنجازات التي عشنا من أجلها.. ويتجلّى الإبداع في كل شيء، سياسة واقتصاداً وعلوماً وثقافة وأدباً وفناً وذائقة.. سيتجلّى الإبداعُ بإتقانٍ ينبضُ في كل شرايين الحياة.
* * *
(الشاهد): من أجمل الأبيات الشعرية، واختلف نسبها إلى ثلاثة شعراء، فالبيتان الأولان للشاعر العباسي صالح بن عبد القدوس، بينما البيت الأخير – وهو الأشهر – منسوب في مواضع كثيرة لبشار بن برد، ولكن الدكتور يحيى الجبوري نسبه إلى عمرو بن شأس الأسدي، في تحقيقه لديوان الشاعر، وهو شاعر جاهلي شهد الإسلام والتحق به. أما الأبيات – بخاصة الأخير منها – فهي تصلح لكل زمان يشتدّ فيه إتقانُ الهدم حتى يصبح استئصاله حتمياً قبل استكمال أيّ بناءٍ بإتقان:
(رأيتُ صغير الأمر تنمي شؤونه
فيكبر حتى لا يحدّ ويعظمُ
وإنَّ عناءً أن تفهِّم جاهلاً
فيحسبُ جهلاً أنه منكَ أفهمُ
متى يبلغ البنيانُ يوماً تمامَهُ
إذا كنتَ تبنيه وغيرُكَ يهدِمُ)؟!
* * *
(الخلاصة): أو الكارثة، أن الإتقان.. كما كان حليفاً للبناءات الخالدة في أزمنة مضت، نراه في دورات أخرى تعصف بنا الآن، قد أصبح حليفاً للهدم.. مع أن الهدم لا يحتاج إلى إتقان، إلاّ إذا كان يستهدفُ أشياء كانت عصية على الهدم من قبل.
ffnff69@hotmail.com
إنفاذاً لتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم السيامي الصومالي إلى الرياض لدراسة امكانية فصلهما ..... المزيد
جمعية عين لطب العيون تستعد لاطلاق الاسبوع العالمي للجلوكوما ..... المزيد
ضياء: الإكثار من الماء أثناء السحور قد يرهق الكلى ويمهد لانخفاض “الصوديوم” ..... المزيد
مركز الملك سلمان للإغاثة يطلق برنامج “أمل” التطوعي السعودي للأشقاء في سوريا ..... المزيد
بتوجيهات الملك وولي العهد..وصول التوأم الملتصق السوري إلى الرياض تمهيداً لفصلهما ..... المزيد
من التجميد إلى التفعيل : كيف تتحول الأراضي إلى محركات تنمية في عهد الرؤية؟
ياسر بن عوض الشهرانيالخلاف الإكسي من منفوحة إلى روكسي!
الدكتور محمد علي الحربيالاختناقات المرورية.. هل من حل؟!
خالد بن حمد المالكالنظام العالمي بعد تسونامي “ترمب”
الدكتور فايز عبدالله الشهري
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد