“رشاش” … تمجيد الإجرام، والجانب الخفي!!

كتب: الدكتور عبدالرحمن القحطاني

دعوني ابدأ بأحد ركائز ما يسمى بمفهوم “محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية”، حيث يشير بأن تأثير الرسائل الإعلامية (التي تبث عبر الأخبار أو الدراما أو البرامج الحوارية وغيرها) لا يأتي مما يقال فقط، ولكن من الجزء المخفي في القصة.
وقد أثار مسلسل رشاش (رحمه الله) الذي تبثه مجموعة الشرق الأوسط (MBC)، الكثير من الجدل والنقاش حوله وحول أهدافه في وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي، فدعونا نحاول استخدام أدوات ذلك المفهوم لفك بعض رموز وشفرات هذا المسلسل!!.
في اعتقادي، وآمل أن يكون خاطئا، أن هذا المسلسل نموذج صارخ لكيفية تمجيد المجرمين وإجرامهم، وكأنه سلوك اعتيادي لا خوف منه، وإبرازهم كأبطال وقدوات يمتلكون الشجاعة والفتوة والإقدام، والأدهى والأمر أن هؤلاء الأبطال يتلذذون ويستمتعون بتعاطي المخدرات أثناء فُتوتهم ومغامراتهم، ناهيك عن المشاهد الفاضحة والمحفزة لتعاطي التدخين في العديد من المشاهد، في صورة مخالفة لأنظمة مكافحة المخدرات والتدخين في الإعلام.
ولا يخفى على الأغلبية ما قد يثيره هذا المسلسل من نعرات وعصبية قبلية، ثم لا أدري ما المقصد من اظهار بطل المسلسل في العديد من المشاهد بمظهر المظلوم والمقهور، وصاحب العاطفة الجياشة تجاه أفراد عصابته وأقاربه!! كيف سيستوعب المراهق مثل هذه الرسائل التي تُبث بطريقة مليئة بالإبهار البصري والتشويق؟!!.
وقد شاهد الكثير كيف انتشرت مقاطع لأبطال هذا المسلسل، طبعا المجرمين منهم، في بعض وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، وهي تحمل شيلات الفخر والفتوة والعصبية القبلية، بل والتغزل فيهم!!.. وأكاد أجزم أن القادم ربما أسوء.
وفي اعتقادي أن من أخطر الرسائل، التي بثها المسلسل، المظهر المشوه لرجال الأمن في العديد من المشاهد وامتهانه بطريقة مبتذلة وقذرة. مثلا، قول بطل المسلسل لبعض الجنود أثناء تعليمهم الرماية “لا تلهث مثل الكلب”!!، ووصف أحد رجال الأمن بأنه سبيكة، وابن حرام!!. فهل نسمي هذا فناً أو دراما؟!! تأملوا معي كيف سيتداول بعض فتوات المراهقين مثل هذه الرسائل!!.
حقيقة، يتملكني العجب من مجموعة الشرق الأوسط، التي عندما أرادت إنتاج أول فيلم وثائقي عالمي لها، لم تجد في عرض السعودية وطولها أحدا يستحق ذلك، لتقفز إلى رجل الأعمال كارلوس غصن، اللبناني الأصل، والمتهم بقضايا فساد مالي، ليصبح بطلا لذلك الفيلم.
وعندما أرادت صناعة مسلسلات “إثارة” سعودية، لم تجد أيضا في تاريخ السعودية أبطالا حقيقيون يستحقون صناعتهم كقدوات للمجتمع، سوى البحث عن أحد أعتى مجرمي السعودية لتُبرزهم في مسلسلاتها، متجاوزة، على سبيل المثال، أبطالنا في الحد الجنوبي، ممن سطروا قصصا حقيقية مليئة بالتضحيات والبذل والعطاء، قلما نجد مثيلا لها!!.

سيقول قائل ليس ذلك سوى دراما وحسب، فأقول هذه أسطوانة مشروخة لم تعد تنفع في عالم سلطة الصورة والصوت والكلمة. فالإعلام، بما فيه الدراما، يملك سلطة مؤثرة على القيم والمعتقدات والتوجهات والسلوكيات، وهو ما تقوله منظمة اليونسكو والعديد من المنظمات الغربية التربوية والتعليمية وفق مفهوم محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية.
وتشير ركائز ذلك المفهوم بأن ما يقدم في الإعلام متشرب بالقيم والمعتقدات ووجهات النظر، ويعني ذلك أن كل ما نشاهده، من أخبار وبرامج وأفلام ومسلسلات وأغاني، في القنوات الإعلامية نابع من قيم ومبادئ مُعدِّيها أو منتجيها أو صانعوها وربما ممولوها!!. كما تنص تلك الركائز على أن جميع الرسائل الإعلامية تُركّب وتُصَّنع بأساليب متعددة، فالعملية ليست اعتباطية كما يراها البعض.!!
وسيأتي آخر ليقول، مهلا، أنت لم تشاهد نهاية المسلسل، وهذه أسطوانة أخرى مشروخة، فبعد هذا التمجيد والإبهار في شخصية بطل المسلسل وعصابته، سنكون قد صنعنا بطلا مجرما أيا كانت نهايته.
أخيرا حديثي للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، واللجنة الوطنية لمكافحة التدخين، وكذلك وزارة الإعلام ممثلة في هيئة الإعلام المرئي والمسموع، بل ووزارة الداخلية، هل من موقف صارم تجاه هذا الترويج والتمجيد للعنف والقتل وتعاطي المخدرات والتبغ، والاستهتار برجال الأمن، وتشويه صورة الشاب السعودي؟!، مع تنفيذ حملة توعوية، موجهة للمراهقين والشباب، حول كيفية تفادي تأثير مثل هذه المسلسلات.
وهنا يبرز سؤالٌ محيرٌ موجه لوزارة الإعلام وهيئتها، ما الذي صنعته من دراما مؤثرة من أجل إظهار صورة المجتمع السعودي المحافظ على قيمه وثوابته وموروثه؟، أين مسلسلات التضحيات والبذل والعطاء؟، ومتى نتجاوز بعض مسلسلات التهريج التي تسئ لمجتمعنا ولا تتوافق مع رؤية 2030 ؟!!.
أما عائلة رشاش، رحمه الله، فأدعوها لرفع قضية ضد الشركة المنتجة والناشرة للمسلسل، وذلك لبث هذا المسلسل دون موافقتها، وبإمكانها رفع دعوى لرد الاعتبار، وطلب تعويض مجزي من خلال الاستعانة بأحد المحامين الأكفاء في مثل هذه القضايا.