(نزاهة والغياب المحير!!)

 *د.الربيع محمد الشريف

ثمة علامات استفهام حول قضايا مفصلية تطرقت لها الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، وما زالت جهود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، تجاه هذه القضايا، تراوح مكانها.

وهذه القضايا تتعلق " بتشخيص مشكلة الفساد في المملكة عن طريق تنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، تشتمل على جميع الوثائق النظامية والإدارية، ورصد المعلومات والبيانات والإحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة وتصنيفها وتحديد أنواعها، وأسبابها وآثارها، وأولوياتها، ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً ".

والمعلومة هي ضالة المتصدي لأي عمل جاد، ودائماً ما يشكل غيابها عائقاً، ويقف سداً منيعاً أمام تحقيق الطموحات، والمتابع لنشاط الهيئة يلحظ قصوراً في هذا الجانب المهم، فلم أضطلع على أي تقرير أو نشرة تبين حجم مشكلة الفساد ومدى انتشارها، وغير ذلك من العناصر ذات العلاقة.

ولو انتقلنا إلى جانب آخر مهم في الاستراتيجية مما ينبغي أن تتحرك فيه الهيئة بشكل فعال وبرتم أسرع مما هي عليه الآن، ذلك المتعلق بتوضيح إجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء الجمهور والمؤسسات المدنية ووسائل الإعلام حق الاطلاع عليها ونقدها، وهذا يقودنا إلى ما نصت عليه الاستراتيجية صراحة من ضرورة وضع نظام لحماية المال العام، وهل تعثر المشاريع إلا أحد الصور البشعة لهدر المال العام وبشكل متكرر، ولكن أين دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من هذا الملف الحساس، الذي اقض مضجع كل مواطن غيور على وطنه، حقيقة هناك الكثير مما يمكن عمله في هذا الجانب من الاستراتيجية، ونحن بانتظار نزاهة لتأخذ زمام المبادرة، فبعض المشاريع قد مضى عليها عقود من الزمن ولم تر النور.

ثم انتقل إلى ملف أكثر إلحاحاً، ويمس حياة الناس ومعيشتهم، وما زال التعامل معه بحاجة إلى إعادة نظر من نزاهة وتسريع وتيرة العمل فيه بشكل جدي، وهو ما نصت عليه الاستراتيجية، والمتعلق بتحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية عن طريق التأكيد على مبدأ تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية وبخاصة ذوي الدخل المحدود، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، ومن الطبيعي أن يشمل ذلك الفئة الغالية " ذوو الاحتياجات الخاصة " من الجنسين، وخصوصاً فئة الإناث، لتنوع وتعدد حاجاتهن وارتباط تحركاتهن بمواصلات مما يزيد من  تكلفة المعيشة على الكثير منهن، وكذلك إيجاد الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص بما يتناسب مع الزيادة المطردة لعدد السكان والخريجين والاهتمام بتأهيلهم طبقاً لاحتياجات سوق العمل، وكذلك الحد من استقدام العنصر الأجنبي، وتحسين مستوى رواتب الموظفين والعاملين وبخاصة المراتب الدنيا، وفي كل ما ذكر، يشكل غياب المعلومة هاجساً للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعائقاً أمام أتخاذ أي أجراء تجاه هذا الملف بالرغم من أن ذوي الدخل المحدود يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع، ولكن غياب قاعدة المعلومات التي تحدد من هم وما هو المسقف المنطقي الذي يجب أن ترفع إليه معدلات دخولهم لتفي باحتياجاتهم، جعل الهيئة تؤجل البت في هذا الملف بدليل عدم الإدلاء بأي تصريح في هذا الخصوص وفي كل ما ذكر أعلاه، وهذا يؤكد أن المرحلة القادمة في مسيرة نزاهة تتطلب أن تركز على المعلومة، حتى لا تجد نزاهة نفسها متخلفة عن الركب من حيث المعلومة ومن حيث المواكبة لما يقع في المجتمع من مستجدات ذات صلة بعمل نزاهة، ومن ثم تقع في حرج إقناع الآخرين أو الإجابة عن تساؤلاتهم، والله من وراء القصد.

*باحث إعلامي.