هل بالفعل أدركنا حدود وظيفة الفرد الرسالي؟
الدكتور أحمد محمود عيساوي
إن الفوضى العارمة التي تتخبط فيها الدول والشعوب المتخلفة تعود بالأساس إلى عدم فقه أيٍّ من الأفراد لدوره ولوظيفته الرسالية التي خُلق وتكوّن وأُعدَّ من أجلها ضمن شبكة النسيج الاجتماعي المتين، بل لعدم قدرة القائمين على ذلك الكيان من إتقان آليات الفهم والتحكم والسيطرة والتوجيه لأداء الأفراد لرسالتهم ووظيفتهم في الحياة، لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها عجز أو ضعف القائمين على فهم وتصور حدود وأبعاد وأهداف وظيفة كل فرد في المجتمع.
ومن هنا فإن للرؤية الاستراتيجية الشمولية أثرها في تشكيل معالم ومواصفات ومضامين الأدوار في هذه الحياة حسب طبيعة كل فرد ومجتمع وكيان، كما تتضح بجلاء من خلال وضع القوانين وسن التشريعات والدساتير ، إذْ تتبدى الخلفية الحضارية والإيديولوجية للقانون من خلال فلسفة التشريع القانونية، التي بدورها تضبط لكل وظيفة دورها ومكانتها في رسم وتوضيح حدود وأبعاد ودور مهمة كل فرد يعمل في قطاع من قطاعات المجتمع.
وتتجلى بوضوح معالم الرؤية السوية لمسألة مدى إتقان حدود وأبعاد الوظيفة من خلال الخطاب السياسي والإداري والإيديولوجي والإعلامي والدعائي للمجتمع والكيان، ويتم رصد مدى تمكن أو عجز القائمين على أي قطاع من القطاعات الاجتماعية من خلال الخطاب السياسي والإداري والقانوني المتحكم في هذا القطاع أو غيره.
فكثير من المنتمين إلى المنظومة الصحية أو التعليمية أو الدينية أو التقنية أو التجارية أو الاقتصادية أو المالية.. في البلدان المتخلفة ولاسيما الدكتاتورية منها لا يعرفون حدود وأبعاد وأهداف وظيفتهم، لاعتبارات كثيرة، أفقية وعمودية، رسمية وغير رسمية، قانونية أو إدارية، أو نحوها.. لكون الراغب في الاندماج المهني لا يهمه سوى الحصول على وظيفة سواء أكانت في مؤسسة حكومية أو في مؤسسة خاصة، بغرض القضاء على البطالة والحصول على الأجر والمكانة، وتحقيق الوجود الاجتماعي في المجتمع، دون إعارة النظر إلى أهمية وخطورة تلك الوظيفة في الحياتين الدنيا والآخرة على الفرد والجماعة والمجتمع والكيان، وهنا تكمن الخطورة الكبرى التي تعصف بالوجود الحضاري والمدني للدول المتخلفة، وتجعلها تحت رحمة الأقوياء في العالم.
فعندما تُدعى لحضور فعاليات حفل ختامي لنهاية السنة بسبب تخرج دفعة جديدة من تلك المؤسسة الرسمية أو الخاصة، وبحضور السلطات الرسمية المدنية والعسكرية والضيوف والمدعوين المتميزين، وتستمع للخطابات الرسمية وغير الرسمية التي تُلقى في تلك الحفلات الختامية، تكتشف عمق وتعقد الأزمة في هذه المتخلفة، ما يجعلك تقع فريسة للتشاؤم واليأس والقنوط.. لتخرج بنتيجة مؤسفة، بأننا: سنبقى أسارى التخلف المُفضي بهذه الشعوب المتخلفة إلى الهلاك والاضمحلال، لعدم قدرتنا أفراد وجماعات ومسؤولين ودولة على فهم مسألة بسيطة جدا، وهي مسألة فهم حدود وأبعاد وأهداف وظيفتنا في الحياة، والتي لا تتعدى ضوابط قانونية وروحية وأخلاقية تختزل فلسفة التشريع السوي الذي نهضت وتنهض به الأمم إلى اليوم.
* تجارب لنماذج وظيفية حساسة:
ولنا عرض بعض النماذج الوظيفية في بعض القطاعات الحيوية من الأمة، ولنبدأ بالإمام الذي يؤم الناس ويقودهم في حياتهم الروحية والدينية والإيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية.. الدنيوية والأخروية، وهو أهم منصب في هذه الدول المتخلفة، تجده في خلاصة تخرجه عاجزا عن الإجابة على هذا السؤال البسيط والحيوي: (ما هي وظيفتك في الحياة؟)، لا يعرف، ويبدأ بالحديث يمنة ويسرة، دون أن تلتمس منه فهما سديدا لحدود وأهمية ومكانة وظيفته المقدسة.
وقد طُرح هذا السؤال على أساتذة الجامعة الجزائرية في عقد علمي ضائع وفارغ، سنة 2007م وسنة 2017م لإجراء دراسة علمية حول وظيفة الجامعة والأستاذ الجامعي، وانضبط السؤال بالبناء الإشكالي الآتي: (ما هي وظيفة الأستاذ الجامعي؟ وما هي وظيفة الجامعة؟) والكارثة أن الغالبية العظمى حددت جزئية فقط من الجواب، وهي وظيفة التدريس والتعليم للطلبة. وطُرح السؤال على طلبة الماستر المتخرجين فكانوا نسخة هجينة من أساتذتهم العاجزين، إذْ لم يستطع من المستجوبين سوى القليل من تقديم كلمة موجزة يعرفون فيها سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وفشل الباقون في التعريف بنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم إلاّ في حدود فيلم (الرسالة) فرحم الله مخرجه مصطفى العقاد، وماتت كل كتب السيرة عند هؤلاء الطلبة البله.
كما طُرح أيضا على مجموعة من الأطباء العامين والمتخصصين العاملين في القطاع العمومي والخاص، وقيل لهم: (ما هي وظيفة الطبيب والمستشفى؟) والكارثة أنه عجز الأطباء عن تحديد جزئية صغيرة من الجواب، وقال الجميع إن وظيفته تطبيب المرضى فقط. وحصل الأمر في القطاع الإداري والاقتصادي والصناعي والتجاري.. وتبين أن الجميع يستحق درجة التخلف بامتياز، وأن التخلف الذي تعانيه بلادنا جراء عدم فهم القائمين والمرؤوسين لحدود ومكانة وأهمية ودور وخطورة وظيفتهم الحقيقية.
ولعلني أحاول وضع بعض المعالم والخطوط الاستراتيجية الكبرى لفلسفة التشريع لبعض المهن الحساسة في الأمة، لأن وظيفة الطبيب أكبر من مداواة وعلاج المرضى، ووظيفة الأستاذ الجامعي أكبر من تدريس وتخريج الطلبة، ووظيفة الإمام أكبر من إمامة الناس وحراسة المسجد والصلاة بهم وجمع الزكوات ورحلات الحج والعمرة.. وقد تشترك الوظائف في بعض المهام، وتتخصص وتتغاير في بعضها الآخر، فبينها تفاضل وقاسم مشترك.
أما وظيفة الإمام فهي ثلاث وظائف كبرى، وما عداها فهو تبع لها، فالوظيفة الأولى للإمام هي: حفظ الشريعة ولغة وأحكام وألفاظ وقيم الشريعة. والوظيفة الثانية: قيادة الأمة والمجتمع وتهيئة الفرد وجدانيا وروحيا وعقليا وسلوكيا وأخلاقيا، حيث التطبيق العملي للقدوة والمثالية الدينية. والوظيفة الثالثة هي: الحفاظ على مؤسسات وهياكل وهيئات هذه الأمة السياسية والقانونية والإدارية والعمرانية والثرواتية والبشرية..
أما وظيفة الأستاذ الجامعي النخبة، فهي: إنتاج المعرفة بأنواعها الثلاث: (الصلبة: الكتب والمقالات، الحية: الطلبة، الإلكترونية: المعارف الشبكية). والوظيفة الثانية قيادة وتوجيه المجتمع. والثالثة هي: توجيه ومراقبة ونقد وتقييم أداء الكيان والنظام السياسي القائم.
وأما وظيفة الطبيب فهي: القضاء على الأمراض والأوبئة في المجتمع والعالم أيضا إن أمكن. والوظيفة الثانية هي: توجيه وتثقيف المجتمع وذلك بالعناية والحفاظ على السكان والصحة والبيئة والوسط العمراني. والوظيفة الثالثة: توجيه ونقد السلطة وتقييم أدائها وعملها في السياسة الصحية.
وأما وظيفة الإعلاميين والمهندسين بمختلف تخصصاتهم والمتعاملين الاقتصاديين، وأرباب العمل، والتجار، ومكاتب الخبرة والحسابات ونحوها.. فهي على عظم وخطر المهام والمسؤوليات المركلة إليهم، فمن النادر أن تجد مهندسا أو متعاملا اقتصاديا أو ربا من أرباب العمل في الأمم المتقدمة أن خان أو غش في المشروع المكلف به.
أللهم لا يحصل الغش والخداع والخيانة والتدليس والتزوير والاحتيال والاستهزاء بك وبعبادك والاستهانة بك وبهم.. إلاّ عند الفرد القميء المتخلف، وفي البلاد المتخلفة، ونخشى أن نصير من تلك القرى التي غضبت عليها، لما قلت: (فتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا)، ألا فاعتبروا، وإلاّ صرتم –وأنتم كذلك- عبيدا للمخلصين والأوفياء لأوطانهم وشعوبهم.
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين..مركز الملك سلمان ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة ..... المزيد
المؤتمر الوزاري العالمي من جدة: إنشاء مركز تعلم الصحة الواحدة لمقاومة مضادات الميكروبات ..... المزيد
ولي العهد يلتقي الفريق الطبي السعودي الذي نجح في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة باستخدام الروبوت في العالم ..... المزيد
“الصحة”تطلق حملة التحصين التكميلية للحصبة والحصبة الالمانية والنكاف ..... المزيد
سبل والصحة يوقعان اتفاقية على هامش ملتقى الصحة العالمي 2024 ..... المزيد
فهم ما يجري في المنطقة من اضطرابات
صدقة يحيى فاضلمجتمعنا بحاجة لمؤسسة تعزيز الصحة
الدكتور عبدالرحمن القحطانيهل بدأ اليوم التالي في المنطقة؟
حمود أبو طالبالتعليم: لا علاقة للعلاوة السنوية بالرخصة المهنية ..... المزيد
ضبط 3.6 طن من الثوم المخالف في نطاق بلدية بريمان بجدة ..... المزيد
البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية ..... المزيد
أمانة جدة تزيل 34 مظلة مخالفة ضمن حملة ميدانية لتصحيح المشهد الحضري” ..... المزيد
أمانة محافظة جدة تعزز التواصل بين القيادات والموظفين في اليوم العالمي لإدارة المشاريع ..... المزيد
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد