عناوين الأخبار

بيان مكة المكرمة للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي

الأحد 16 أبريل 2017م       -       05:08:48 ص
بيان مكة المكرمة للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي

أ. د. أحمد محمود عيساوي

قراءة في  بيان مكة المكرمة للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي

شهدت القاعة الكبرى بمقر الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة مهبط وحي الإسلام وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم أشغال المؤتمر العالمي حول (الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومُحْكَماتِ الشريعة) الذي نظمه (المجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة) أيام 20-22/جمادى الآخرة/1438هـ الموافق لـ 19-21/مارس/2017م، وبرعاية وضيافة كريمة وإقامة متميزة بجوار حرم الله الآمن، من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله ويرعاه، وبحضور جمع غفير من كبار علماء العالم الإسلامي ومفكريه ودعاته، يتقدمهم مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والكثير من مُفتي العالم الإسلامي كمفتي باكستان والسودان وموريتانيا والأردن، ورئيس الشؤون الدينية التركية ووزير الشؤون الدينية والأوقاف المصري..، وبحضور كوكبة من خيرة علماء العالم الإسلامي كالشيخ العلامة يوسف القرضاوي وعبد الله بن المحفوظ بن بية والدكتور عصام البشير ومحمد الحسن الددو ومحمد فريد واصل وعبد المجيد النجار.. وأعضاء مجلس الإفتاء الأوربي يتقدمهم الأستاذ أحمد جابالله وأحمد عبد السلام مارسو ومحمد البشاري ومحمد فؤاد البرازي.. ونائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالهند فضيلة الدكتور بدر الحسن القاسمي، وفضيلة الدكتور عجيل النشمي عضو المجمع الفقهي الإسلامي.. بالإضافة إلى علماء المملكة وهيئة كبار العلماء وأعضاء المجمع الفقهي الإسلامي فيها، حتى صدق في هذا المؤتمر العالمي قول الشاعر (أبي الطيب المتنبي ت 354هـ) حين قال واصفا الحشود بقوله:

          تجمَّعَ فيه كل لِسْنٍ وأمة *** فلا يُفهم الحُدّاث إلاّ التراجم.

وافتتح المؤتمر بآيات بينات من ترتيل فضيلة الشيخ (عبد بن علي بصفر)، فكلمة الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي فضيلة الدكتور (صالح بن زابن المرزوقي)، فكلمة الهيئات والمؤسسات الإسلامية العالمية التي ألقاها الشيخ عبد الله بن بية، فكلمة المشاركين التي ألقاها بالنيابة عنهم سماحة الدكتور (محمد غورمز) رئيس الشؤون الدينية التركية، فكلمة الأمين العام للرابطة فضيلة الدكتور (محمد بن عبد الكريم العيسى)، فكلمة سماحة مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس المجمع الفقهي الإسلامي، فكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التي ألقاها بالنيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة.

وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية الرسمية وعلى مدار ثلاثة أيام كاملة وخلال ست جلسات علمية تخللتها الردود والتعقيبات والتوضيحات والتساؤلات، والتي اتسمت بحرية الرأي والتعبير، والإفصاح عن الرؤى والتوجهات المختلفة، وبعد استعراض جوانب ومتغيرات المؤتمر الأساسية والفرعية، ومناقشة محور (الاتجاهات الفكرية)، ومحور (حرية التعبير)، ومحور (محكمات الشريعة)، خلص المؤتمرون إلى هذا البيان الديني والفقهي والعلمي والمعرفي والمنهجي والأدبي والأخلاقي التاريخي، الذي يعتبر تاجا يُحلي هامة المملكة العربية السعودية، كرائدة وقائدة للعالم الإسلامي، وإكليلا من الغار يُرصع جبين وصدر حكامها وقادتها وعلمائها وكل من حضر وشارك في أشغال هذا المؤتمر العالمي، وقد قرر المؤتمرون القواعد الذهبية الهادية:

1 – إعداد أرضية لمشروع منهجي ومرجعي ومعرفي لضبط مفهوم القواعد الشرعية للتعامل مع المنتج الفكري العالمي واتجاهاته المختلفة، كأرضية تستأنس بها العقول، وتهتدي بها الأفكار خلال تلاقحاتها وتفاهماتها وتواصلاتها وتفاعلاتها، ضمانا لصيانة العقل المسلم من الانحراف والانزلاق المؤدي إلى الكفر والضلال والزيغ، لتكون بعد دراستها وتحليلها وإقرار المجمع الفقهي لها كضوابط للامتثال والاقتداء.

وهذه خطوة علمية ومنهجية ومعرفية استباقية نحو تأطير وهيكلة وبلورة الرؤى الفكرية، ومحاول لرسم الخطوط الاستراتيجية العامة الضابطة لسائر العلميات الفكرية التي تعرفها فضاءات التواصل والتفكير العالمية، التي باتت تهدد الكثير من الأجيال المسلمة، وهي الضوابط التي سبق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن أن تنبه لها في ثمانينيات القرن الماضي، عندما دعا المفكرين المسلمين إلى الانضباط بها أثناء عملية التجوال والترحال والإنتاج الفكري والثقافي، وهي: (الضوابط العقدية، والفقهية، والأخلاقية، والمنهجية).

2 – دعوة المجمع الفقهي الإسلامي عبر المؤتمرين الأفراد والهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية إلى ترسيخ القيم العليا في الإسلام كـ (المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام..)، وتقديمها كمبادىء هادية للإسلام، والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، وضرورة تفهم سنة الخالق سبحانه وتعالى في الاختلاف والتنوع والتعددية.

ومن هنا فإن المجمع الفقهي الإسلامي يدعو إلى – وهي خطوة متميزة- تغليب وتقديم قيم ومبادئ الإسلام الكبرى، كالمحبة، فـ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، والبر والإحسان للموافق والمخالف، عملا بالقاعدة (رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ). وتقديم قيمة التسامح كأرضية للتفاهم والتواصل مع الآخر الموافق والمخالف أيضا، عملا بقاعدة (المسامح كريم)، والرضى بقيم التعايش بين أفراد وطوائف الأمة المختلفة، تحت أرضية وثيقة المدينة التي دونها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووثق معاهدة التعايش مع اليهود والنصارى، ونشر قيم الوئام والسلام والتوادد، ونبذ الفرقة والانقسام والشنآن وإشاعة ثقافة الخصام والعداء بين أفراد الأمة.

3 – الاعتداد بسعة وتعدد المدارس الإسلامية، وأفضلية عطاءاتها العلمية والفكرية والمنهجية، واعتبارها مظهرا من سعة الشريعة الإسلامية وعالميتها ورحمتها بالعباد. وبذلك يكون عطاء المدارس الفقهية والعقدية الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي محترما ومصانا عن كل تجريح وتقبيح وتفسيق وتكفير وتبديع، وللمسلمين الحق في اختيار المدرسة التي يتعبدون بها ربهم، ويعيشون بها حياتهم. وهي خطوة وفكرة ودعوة لم يعرفها العالم الإسلامي منذ قرون، الأمر الذي حكم عليه بالضعف والجمود والتخلف والاستعمار أيضا.

4 – دعوة المسلمين إلى احترام رابطة الدين والتعايش على هديها، وإلى التزام أدب الإسلام وهديه الرفيع في الحوار والبيان العلمي والفكري، والحذر من ازدراء أتباع المذاهب الإسلامية وأسباب النزاع وإثارة النعرات المذهبية والطائفية، وتجريم هذا العمل تحت طائلة المساءلة القضائية، مصداقا لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

 والمتمعن في هذه الدعوة الصريحة القاضية باحترام وتقديس رابطة الأخوة الدينية واعتبارها أرضية للتعايش السلمي والأخوي، وفرضها كضرورة حتمية للعيش في وئام تحت كنفها، لهي قاعدة ذهبية أمرنا الله بها عندما سمانا من قبل (هو سماكم المسلمين من قبل)، و(إنما المؤمنون إخوة)، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا مرض فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

  وفي حالة الخلاف النوعي بين المذاهب يجب أن تحترم وتراعى آداب الإسلام الرفيع في الاختلاف والتنوع، كما يجب أن يلتجأ المسلمون إلى الالتزام بأدبيات الحوار الرفيع القائم على البيان والدليل والحجة والإقناع العلمي. والحذر كل الحذر من ازدراء واحتقار أتباع المذاهب الأخرى ونعتهم بما لا يليق بالمسلمين لاختلافات فقهية فرعية، والتحذير من إثارة النعرات الطائفية بين المذاهب، عملا بقوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)، بل ذهب البيان إلى أبعد من ذلك، بإخضاع كل من يفعل ذلك إلى طائلة المساءلة القانونية والقضائية.

5 – الحذر من التساهل في التصنيفات الدينية والفكرية سواء للهيئات أو المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد، واعتبارها وقود الفتنة بين المسلمين، وفتيل التطرف والتناحر والتدابر.

وهي دعوة صريحة وبراءة إلى الله لكل من تسول له نفسه –مهما كان موقعه ومكانه- العبث بوحدة الأمة وتماسكها بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، لأن هذه التصنيفات جلبت على الأمة المسلمة الفتنة والتطاحن والاقتتال ومزقت صفوفها وأذاقتها محن الويلات ونشرت بينها الخراب والدمار.

6 – التحذير من التساهل في التكفير والتبديع والتفسيق، وعلى أهل الإيمان التماس الأعذار لإخوانهم وحسن الظن بهم وتبيان الحق والنصح لهم بالحكمة، والحذر من سلبيات التعالي والإقصاء واحتكار الحقيقة ومصادرتها، وإدراك آليات وأدبيات انتشار القناعات المحكومة بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي خلف لنا تراثا حواريا هاديا حينما امتدحه ربه بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)

   وقد وضعت هذه القاعدة الأصولية حدا لكل الحركات الهدامة داخل المنظومة الإسلامية التي أهوت بمعاول جهلها في تمزيق وتفكيك وتشتيت صفوف الأمة، الأمر الذي أدى إلى تشرذمها إلى طرائق قددا، وأفضى إلى إراقة الدماء بين أبنائها.

7- تحذير الجاليات الإسلامية في الغرب والعالم من مخاطر نقل هذه الأمراض إلى أرض الغربة، والتعريف بالإسلام الصحيح وفق ما تسمح به دساتير وقوانين وثقافة تلك البلدان، وعدم الإساءة إلى الإسلام بتلك السلوكات والتصرفات المنافية للإسلام.

8 – تحذير المسلمين من كل أدعياء الغلو والتطرف والتنطع والعنف والإرهاب، واعتبارهم خارجين عن جادة الإسلام، والتحذير من ظاهرة تحشيد وتجنيد الشباب المسلم حول شعارات القتل والثأر والتخريب والإفساد بحجة الانتصار للإسلام ورفع رايته، والإسلام منها ومن سلوكاتهم وأفعالهم براء.  

  وهكذا فإن بيان المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وبحضور أكثر من ثلاثمائة شخصية علمية ودعوية إسلامية عالمية وبرعاية وتوجيه وعطف كريم من قادة وعلماء المملكة العربية السعودية، يكون قد أعلن براءته من كل ما يصدر في العالم الإسلامي عموما والعالم خصوصا، وقدم رؤيته وتوجيهاته لعموم المسلمين من خلال تلك المبادئ والقواعد، ويكون بذلك قد قدم إرشاداته وتوجيهاته ليأخذ بيد السائرين نحو عزة الإسلام والمسلمين، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فاللهم اشهد أنهم بلغوا.     

* أكاديمي وباحث جزائري في الفكر الإسلامي 

 
يمكنك الوصول للخبر بسهولة عن طريق الرابط المختصر التالي:
https://alssehafi.org/?p=12117

شاركنا بتعليق








لا يوجد تعليقات بعد



 انخفاض الدرن في المملكة إلى 22%..والعلاج يستمر 6 أشهر والتحصين الحل الامثل

انخفاض الدرن في المملكة إلى 22%..والعلاج يستمر 6 أشهر والتحصين الحل الامثل ..... المزيد

 الدكتور عسيري: توفر لقاحات لمنع وعلاج السرطان

الدكتور عسيري: توفر لقاحات لمنع وعلاج السرطان ..... المزيد

 “الصحة” :  120 دقيقة لنقل جثث الموتى للطب الشرعي

“الصحة” :  120 دقيقة لنقل جثث الموتى للطب الشرعي ..... المزيد

 وزير الصحة يفتتح ملتقى الصحة العالمي 2023 بمشاركة وزيري الاستثمار والصناعة

وزير الصحة يفتتح ملتقى الصحة العالمي 2023 بمشاركة وزيري الاستثمار والصناعة ..... المزيد

 بقيادة المستشار في الديوان الملكي الدكتور الربيعة..البدء في عملية فصل التوأم السيامي التنزاني حسن وحسين

بقيادة المستشار في الديوان الملكي الدكتور الربيعة..البدء في عملية فصل التوأم السيامي التنزاني حسن وحسين ..... المزيد

 خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يتبرعان بمبلغ ١٥٠ مليون ريال لجود الإسكان

خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يتبرعان بمبلغ ١٥٠ مليون ريال لجود الإسكان ..... المزيد

 خادم الحرمين الشريفين يتبرع للحملة الوطنية للعمل الخيري بمبلغ ٤٠ مليون ريال وولي العهد بمبلغ ٣٠ مليون ريال

خادم الحرمين الشريفين يتبرع للحملة الوطنية للعمل الخيري بمبلغ ٤٠ مليون ريال وولي العهد بمبلغ ٣٠ مليون ريال ..... المزيد

 مركز الملك سلمان الجهة الوحيدة التي تتسلم أي تبرعات إغاثية أو خيرية أو إنسانية

مركز الملك سلمان الجهة الوحيدة التي تتسلم أي تبرعات إغاثية أو خيرية أو إنسانية ..... المزيد

 الأخصائية الاجتماعية أثير بنت فهد لـ”الصحافي”: زيادة الوعي وتعزيز التسامح وفرض العقوبات للحد من ظاهرة التنمر

الأخصائية الاجتماعية أثير بنت فهد لـ”الصحافي”: زيادة الوعي وتعزيز التسامح وفرض العقوبات للحد من ظاهرة التنمر ..... المزيد

 تحت رعاية ولي العهد..أمير منطقة الرياض يكرّم المحسنين عبر المنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان)

تحت رعاية ولي العهد..أمير منطقة الرياض يكرّم المحسنين عبر المنصة الوطنية للعمل الخيري (إحسان) ..... المزيد

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com