أبو عبدالله وحواره مع ابن زيدون

مع شاعر الشكوى والأنين !

بلبل الأندلس!

– أهلا وسهلا بك يا ابن زيدون، ومرحبًا.

 يا مرحبًا بك أستاذ راشد، وسهلا

– كعادتي مع ضيوفي في هذه

الحوارات، ليتك تعرفنا بنفسك٠

– أنا عبدالله بن أحمد بن غالب بن زيدون

المخزومي القرطبي

.أنتمي إلى قبيلة بني مخزوم القرشية

وكنيتي أبو الوليد

 – يا أبا الوليد، أرجو أن تتحملني!

– تفضّل يا أبا عبدالله.

عندكم شيءٌ غريبٌ في أسمائكم!

وهو زيادة الواو والنون، مثل:

زيدون، وعبدون، وحمدون، وخلدون

وبعد أن ابتسم، اعتدل في جلسته وقال :

  زيادة الواو والنون في الأسماء الأندلسية

هي للتفخيم، وقد أخذناها من اللغة الإسبانية

!يعني يا أبا عبدالله، لو كنتَ في زمننا

لأسميناك: ابن شعلون!

تفخيمًا لك،ومعرفة بقدرك الكبير٠٠٠

 – لا، شكرًا لك يا ابن زيدون، فاسمي

جميل بدون تفخيمكم !

وأين ولدتَ؟

ومتى يا أبا الوليد؟-

 وِلدتُ في قرطبة عام 394 من الهجرة الشريفة

– قرأت تغريدةً لأحد كبار مؤرخي

الأندلس، وهو ابن بسام قال فيها:

((إنّك نشأت يتيمًا))

– نعم نعم يا أباعبدالله، لقد تُوفي

والدي وعمري أحد عشر عامًا

وكان رحمه الله عالماً من علماء قرطبة

وأحد فُقٓهائها المعروفين، وكان قد اهتم بي

منذ طفولتي، حينما ألحقني بحلقات القرآن

ودروس الأدباء والعلماء، فواصلتُ

دراستي في علوم العرب، وفنون اللغة

.فقد كانت قرطبة منارة للعلم،والمعرفة في ذلك الوقت

– لكن الذي أعرفه يا أبا الوليد،أنّٓكٓ نشأتٓ في عصر

الاضطرابات السياسية، عصر سقوط الخلافة الإسلامية

 وقيام الدويلات والممالك الصغيرة، مثل:

دولة بني جهورفي قرطبة،

ودولة بني عبّٓاد في إشبيلية، وغيرها-

 نعم يا أبا عبدالله،

 وقد كان لي شرف المساهمة في دولة بني جهور!

وقد أكرمني أبو الحزم بن جهور، بتعييني وزيرًاوسفيرًا خاصًا له!

– لذلك تم تلقيبك بذي الوزارتين؟

– نعم يا أبا عبدالله٠

–الذي عرفته من تغريداتك في حسابك بتويتر

 أنّ قرطبة وأهلها كانوا يعيشون في رخاء من العيش والترف

! – نعم يا أبا عبدالله، وهذا ماجعلنا نميل

إلى اللهو والطرب!

وسأقول لك الحقيقة بكل وضوح:

لقد كان هذا أكبر سبب أدّى إلى ضعف المسلمين

في الأندلس، وضياع أمجادهم!-  

لقد عرفتُ من خلال تحضيري لهذا الحوار

وقراءتي في عدد من المواقع الإلكترونية

وصفحة برق الأندلس الإخبارية بتويتر

أنّك سُجِنت مدة عامين!

ما أسباب سجنك؟

– يا أبا عبدالله، كما قلت لك لقد كنتُ

الوزير الخاص للحاكم أبي الحزم بن جهور

 وكان يُقدّرني كثيرًا، بسبب وقفاتي معه

 في تأسيس دولته!

ولكن بعد أن عشقتُ ولَادَة وعشقتني، تغيرّ

عليّ كثيرًا بسبب الحُسّاد، وعلى رأسهمَ الوزير ابن عبدوس!

 عرفته يا أبا الوليد هو المُلقَّب ) بالفأر(؟-

 نعم يا أباعبدالله هو الفأر

!لقد حسدني على مكانتي عند ابن جهور ومكانتي عند ولّادة!

 – ومن هي ولّادة يا أبا الوليد؟ّ

– هي ابنة آخر خليفة أموي في الأندلس

وقد كانت زينة البنات في عصرها

اجتمع فيها الجمال وحُسن الأدب ورقته

وخفة الدم وفتنته

كانت شاعرة ومثقفة، وكان لها مجلس أدبي

يجتمع فيه الشعراء، والمثقفون وعِلية القوم!

وكانت تُلقي أشعارها أمامهم، ولا سيّما شعر الغزل

 بكل جرأة، فتعلّق قلبي بها وهام!-

هي يا أبا الوليد التي كانت تقول:

وأُمٓكّنُ عاشقي من صحن خٓدّيِ

            وأُعطي قُبلتي من يشتهيها؟

 نعم يا أبا عبدالله-

 أف أف!

وماذا تريد من امرأة مثل هذه يا أبا الوليد؟

–  يا أبا عبدالله، القلب وما يهوى!

لكن الوزير ابن عبدوس )الفأر(، حسدني ونَكَّد علَى!

وحاك المؤمرات، لإفساد علاقتي بولادَة فقام بالوشاية

بي عندها، وأخبرها بأنّٓي تغزلتُ بجاريتها-

وهل صحيحٌ يا أبا الوليد أنّك تَغَزّلتَ بجاريتهاَ

– لا يا أبا عبدالله ليس صحيحًا

مع أنّٓ جاريتها فتاة إسبانية، فاتنة الجمال

 وبلغة شبابكم الآن: صاروخ

!- لكنّك رددت على ابن عبدوس )بالرسالة الهزلية(

التي كتبتها على لسان ولّادة، ومسحت فيها

 بابن عبدوس البلاط

ما قصة هذه الرسالة؟

 يا أبا عبدالله، هذه الرسالة جمعت فيها

 كل ما أعرف من ألفاظ السخرية، في لغتنا العربية

 ثم خلطتُ بها كل أنواع الألفاظ المتفجرة

ثم أطلقتها على هذا الفأر

 لذلك با أبا الوليد، انتشرت هذه الرسالة

في كل )القروبات( وضج بها تويتر في هاشتاقاته

لدرجة أنّ ابن حيّان صاحب كتاب الأندلس

غرّد في حسابه قائلا

لقد انقلبت على قفاي من شدة الضحك«

» عندما قرأتُ الرسالة الهزلية

– يا أبا عبدالله، لقد كان يريد هذا الفأر

إفساد علاقتي بولَّادَةّ

– يا أبا الوليد، نريد أن تُنشدَنا شيئًامن غزلك في ولّادة خصوصًا أنني أتذكر الآن البيتين اللذينّ هيّجا العُشّاق في تويتر، وأنشؤ له هاشتاقًا تصدّر تويتر فترة طويلة من الزمنَ- آه يا أبا عبدالله، تذكّرتهما:

ودّع الصبرَ مُحِبٌ ودّعكَ          

                    ذائعٌ مِن سِره ما استودَعَك

إن يطُلْ بعدكَ ليلي فلكم                   

          بِتُّ أشكو قِصر الليلِ معك

 -ياه يا أبا الوليد، ما هذه الرِقة؟!

ما هذه الألفاظ التي تذوب في الفم؟!غزلك هذا قاتِل!والغريب أنّ غزلك بولَّادة ما أخذ من ديوانكّ إلا الثلث!  

-يا أبا عبدالله، أنا لم أتنعم بحياتي!

-كل هذا ولم تتنعم؟!

-إذن ماذا نقول نحن؟!

-يا أباعبدالله، لقد دبّر ابن عبدوس الفأر مؤامرة ونجح فقد أمر الحاكمُ ابن جهور بسجني، رغم كل قصائد الاستعطاف التي أثبتُ فيها براءتي من هذه التهمة

– وماذا كانت تهمتك؟

– لقد اتهمني ابن عبدوس بقلب نظام الحكم والتخابر مع حماس!

ياستّير، هذه فيها سجن مؤبد، وقتلكَ وتشويه لسمعتك في كثيرٍ من القنوات العربية والعبرية.

– لذلك هربتُ من السجن بعد مرور سنتين!

-وأين ذهبتَ؟

ذهبتُ إلى الزهراء، وهي إحدى ضواحي قرطبة وأجملها، وهي المكان الذي كنت ألتقي فيه مع ولَّادة! ولي طلب عندك يا أبا عبدالله

• وما هو؟
•  أن نذهب سَوِيًّا بعد هذا اللقاء إلى الزهراء، صدقني

يا أبا عبدالله، ستزهد كثيرًا في كل المتنزهات والبراري التي تتردد عليها،وخصوصًا شعيب دقلة

الذي حدّثتني عنه كثيرًا! وأرسلتَ لي صُوره عن طريق الواتس.

•  أبشر يا أبا الوليد!
• إذن نعود إلى موضوعنا، لقد اختبأتُ في قرطبة وأطلقتُ منها قصيدتي التي تذكرتُ فيها ولَّادة

وهذه يا أبا عبدالله، لم تكن قصيدة!

• وماذا كانت يا أبا الوليد؟هذه كانت نفثة من نقثات قلبي الجريح – ليتك يا أبا الوليد، تُنشِدُنا من هذه النفثات، أعني القصيدة.
• أبشر يا أبا عبدالله!

إنّي ذكرتُكِ بالزهراء مُشتاقاِ      

              والأفقُ طلقٌ ومرأى الأرض قد راقا

وللنسيمِ اعتلالٌ في أصائلهِ

                             كأنهُ رَقّ لي فاعتل إشفاقا

– تقصد أنّ تذكرك لها هيّج أشواقك؟!

وأن النسيم العليل، أشفق عليك حتى مَرِض بسببك!

أحسنت يا أبا عبدالله

–  يا أبا الوليد، أيّ نفسٍ مكلومة، وأي وفاءٍ عظيمٍ هذاُالذي جعلك تبعث بهذه التحية العَبِقة، بل بهذه

الأنّات المضطربة، رغم ما تعانيه من آلامٍ وأوجاعٍ!

•  أكمل يا أبا الوليد، بارك الله فيك
•  لا سَكّن اللهُ قلبًا عَقّ ذِكركمَ         

                 فلم يَطِرْ بجناحِ الشوقِ خَفّاقاَ

– ياه با أبا الوليد، ماهذه المناجيات الحرّىَ والنداءات السّكرى التي تعصر القلب؟!

نريد الآن أن تنشدَنا شيئًامن قصيدتك النونية القصيدة الفاخرة، التي ما إن سمعها ابن جهور إلا وأصدر العفو عنك!

القصيدة التي لَقّبك المغردون بتويتر

بعدها بلقب ( بلبل الأندلس)

-أبشر يا أبا عبدالله!

أضحى التنائي بديلا عن تدانيناًً         

               وناب عن طيبِ لقيانا تجافينا

– تعني أصبح التباعد بديلا عن التقاربً

– أكمل يا أبا الوليد لافض فُوك

– ألا وقد حانَ صبحُ البين صَبّحناَ           

                          حَيْنٌ فقام بِنَا للحَيْنِ ناعينا

– الذي أعرِفه يا أبا الوليد:أنّ الْبَيْن هو: الفراق،والحَيْن: الهلاك وقصدك هو: أطَلّ صباحُ الفراق، فكان هو الهلاكَ الذي ينعينا!

رائعٌ أنت يا أبا عبدالله!

بِنْتم وبِنّا فما ابتلتْ جوانحنا            

                              شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا

حالتْ لفقدِكُمْ أيامُنا فَغَدَتْ  

                                  سُودًا وكانتْ بكم بِيضًا ليالينا

– ياه يا أبا الوليد: هذه قنبلة من قنابل العُشّاق! وكأني أرى نَفْسَك تنسكِب في حسراتٍ كلها لوعة وأنين بألفاظٍ رقيقة، تنمو في أجواء الطبيعة

الزاهية، فتمتزج بها امتزاج الأرواح بالأرواح! فأصبحت هذه القصيدة لوعةً من أشدّ اللوعات، التي عرفها العُشّاق في الشعرالعربي على مرالسنينَ.

– شكرًا لك يا أبا عبدالله، هذا من ذوقك.

– يا أبا الوليد، هل تعلم أنّ المستشرق الإسباني إميليوغراسيا قد غرّد بقصيدتك هذه في حسابه بتويتر منذ أكثر من مئة عام!

وقال في تغريدة أخرى:

» هذه القصيدة دٌرّة من دُررِ الشعر العالمي «

وأعرِف أيضًا أنّ كثيرًا من الشعراء قد عارضوهاَ بقصائد رائعة، لقد أصبحتَ مُلهِمًا للشعراء يا أبا الوليد – يا أبا عبدالله، التي ألهمتني الشعرهي معشوقتي ولادَة! هي التي فجّرت قريحتى، وهي سبب إبداعي – لقد جعلت منك ولادَة، نغمًا موصولا لأنين دائم الشكوى والحنين لذلك يا أبا الوليد اسمح لي بهذا السؤال البريء- تفضّل يا أبا عبدالله، فأنا قد أحببتك وارتحت كثيرًا لكَ

 – مادام أنّك تعشق ولَّادة هذا العشق، لماذا لم تتزوجها خصوصًا بعد أن عفا عنك ابن جهور، وعدتَ وزيرًا؟

– يا أبا عبدالله، يبدو أنّك على نيّاتك ولم تُجَرّب الغزل!

لذلك سأقول لك الحقيقة، كيف أتزوج بفتاةٍ لعوب؟!

– لعوب.

–  نعم لعوب ولها مغامرات، وقصص غزلية مع غيري

– استغفر يا أبا الوليد!

 – يا أبا عبدالله، أنا أريد زوجة لي فقط!زوجةً تَقيّةً تخاف الله في نفسها وتربي أولادي تربية صالحة!!

ولَّادة للعشق، والسهرات، وسعة الصدر!

• أستغفرالله!
• وهل رضيتْ ولَادَة بهذا؟ّ
• أكيد لا يا أباعبدالله!

لكن المرأة ضعيفة، ويكفي أن تضحك عليها ببعض الكلام المعسول، وتأتي على وجهها إن لم تكن ذات دين وتربية صالحة!

هل تعلم يا أبا عبدالله، أنّ ولَّادة وصل عمرهاّإلى السبعين عامًا وهي لم تتزوج؟

•  يا مسكينة! كل هذا بسببكم!

عمومًا دعنا نُلطّف الجو يا أبا الواليد!

 لك أبيات ظريفة عندما رأيتَ ولَّادة ترمي ببقية مسواكها، ليتك تنشدها لنا!

أهَدِي إليّ بقية المسواكَ        

                    لا تُظهرِي بُخْلًا بعودِ أراكِ

فلعل نفسي أن يُنفّسَ ساعةَ

                               عنها بتقبيلِ المُقَبّلِ فاكِ

– نعود إلى علاقتك بابن جهور، عرفتُ من تغريدة

لك، أنك تركت قرطبة واتجهت إلى دولة بني عبّادَ في إشبيلية،ما الأسباب التي دعتك إلى هذا؟

 – يا أبا عبدالله، لقد ضاقت عليّ قرطبة بسببَ كثرة حُسّادي، فقررت السفر إلى بني عَبّاد في إشبيليةَ فهم من مُحبي الأدب وسدنته، خصوصًا المعتمد بن عبّٓاد الذي أكرمني وعينني وزيرًا ومستشارًا خاصًا له!

– وولَّادة  يا أبا الوليد!

– ولَّادة يا أبا عبدالله في قلبي!

أغائبة عني وحاضرة معي          

           أناديكِ لمّا عِيلٓ صبري فاسمعيَ

ألا عطفةٌ تحيا بها نفسُ عاشقٍ        

               جعلتِ الردى منه بمرْأى ومسمعِ

• يا أبا الوليد، رغم كل هذه المرارات، التي ذقت طعمها من سجن، إلى هجران بلدك الذي ترعرعت فيه إلّا أنّك لم تنسَ ولَّادة! ولهذا ما بقي أحدٌ إلَّا عرف بقصتك معها!

لو كان أمري في كتمِ الهوى بيدي                 

                          ما كان يعلمُ ما في قلبي البدنُ

– رائعٌ يا أبا الوليد، فقد استطعت أن ترسم لنا لوعة العشق في لوحة فنية، تملك النفوس وتسحر الألباب! لكن يا أبا الوليد، رغم كل هذ الأنين والشكوى الموجعة إلّا أنّك لم تُحِسْ براحةٍ بعدها!

 – يا أبا عبدالله

قد كان في شكوى الصبابةِ راحة           

               لو أنّني أشكو إلى مَنْ يرحمَُ

– في نهاية هذا الحوار،هل لك كلمة أخيرة؟

– وَيَا نسيمَ الصّبا بَلّغ تَحِيتَنَاَ 

         من لو على البُعدِ حَيّا كان يُحْيينَاَ

 بقي لي طلبٌ يا أبا الوليد!

أبشر بِعزّك يا أبا عبدالله!

 – شكرًا لك أبا الوليد،وليتك تسمح لي بنشر هذا الحوار في "القروبات"!

انشر يا أبا عبدالله،فحوارك جميلٌ!

وبعد هذا الحوار بعشرين عامًا وثلاثة أشهر جاءتنا الأخبار، بوفاة ابن زيدون بعد أن كلفّه المعتمَدُ بن عَٓبّاد بالقضاء على إحدى الفتن، التي ظهرت في إشبيلية، لكنّ شاعرنا كان كبيرًاَفي السن فتوفاه الله في الطريق!وكان ذلك في عامِ ٤٦٣ من الهجرة المباركة٠