تجربة تعليميّة عالميّة

أ.عبدالكريم عبدالعالي المطيري

في عام 2003 وعام  2006م  حصلت على أفضل دول العالم في كفاءة النظام التربوي ..إنّها فنلندا تلك الدولة التي أبهرت العالم بتطور التعليم لديها وازدياد قوته , إنّها تجربة تستحق الحديث عنها والبحث حولها للاستفادة منها في تحسين مخرجات التعليم في المملكة العربية السعودية ولعل المطلع على التعليم الفنلندي يدرك بإنّه في مراحله الدراسية مثله مثل كثير من البلدان بحيث يتجزأ التعليم على عدة مراحل دراسية بناء على المراحل العمرية ومنها : مرحلة التعليم والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة لمن هم دون سنة خمس سنوات ، والتعليم قبل الابتدائي في عمر ست سنوات ولمدة سنة واحدة فقط , ومرحلة التعليم الأساسي من عمر 7 سنوات وتستمر لمدة 9 سنوات , ومرحلة التعليم الثانوي وفي هذه المرحلة ينقسم الطلاب إلى قسمين :

القسم الأول التعليم الثانوي العام : تستمر هذه المرحلة لمدة ثلاث سنوات ويمكن اختصارها وتمديدها بناء على تقييم المدرسة للطالب .

القسم الثاني التعليم الثانوي المهني : على سبع مؤهلات متنوعة :الإدارة والأعمال ، التكنولوجيا والنقل ، التغذية والعلوم المنزلية ، العلوم الاجتماعية والصحية ، الترفيه والرياضة ، والثقافة والموارد الطبيعية، وأخيرا مرحلة التعليم العالي .

لو لاحظنا في المراحل التعليمية مشابهة لكثير من الدول إذن ما السر الذي جعل التعليم الفنلندي مميزا لدرجة تجعل الكثير يكتب ويقرأ عنه ؟

هناك كثير من العوامل التي ساعدت على تطور التعليم وتميزه وسنتطرق لبعضها في المقال :

1. احترام التعليم وعلو شأنه : التعليم له احترامه في فنلندا على مستوى الشعب أو الوزارات فاحترام التعليم جزء لا يتجزأ من هوية الشعب الفنلندي فلا يقبل للعمل في للتدريس في التعليم إلا ذوي الكفاءات العالية والقدرات المميزة من المتقدمين للتدريس.
2. ساعات العمل : يظن البعض لكي نتميز يجب أن تكون ساعات العمل طويلة وأن يكمل كل معلم نصابه كاملا في التدريس فهذا خاطئ من خلال ما نراه في التجربة الفنلندية حيث ساعات العمل في التجربة الفنلندية قليلة مقارنة بالدول الأخرى فالمعلم يقضي  4 ساعات يوميا ونصفها يكون في إعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب .
3. المرونة والثقة : وهذه تحتاج لمقالات كثيرة , فمن ابرز صفات التعليم الفنلندي المرونة والثقة حيث تستند الإدارة الى مبدأ التنفيذ المحلي , فالمدارس والمدرسين يحضون باستقلالية  كبيرة فلم يضعونهم في هذا المكان إلا وهم يثقون بهم وبقرارتهم وأساليبهم.
4. استقلالية المدارس في تسيير أمورها ومنح كثير من الصلاحيات لقادة المدارس والعاملين بها بما ينفع ويفيد العملية التعليمية ويدفعها لمزيد من التميز والإبداع والمنافسة.
5. لم تكتفي الجهة التعليميّة في فنلندا بشهادة البكالوريوس فقط ، ولم تعمل مثل ما نعمل نحن من اختبارات المركز الوطني للقياس ، ومقابلات شخصية لقبول المعلمين بل أنّ مهنة المعلّم شأنها عظيم لديهم لذلك فجميع المعلمين لديهم حاصلون على شهادة الماجستير في التربية ومؤهل علمي عال في المادة التي يدرسونها .

كيف نستفيد من التجربة الفنلندية في التعليم السعودي :

من الواضح أنّ التعليم السعودي يسعى منذ زمن إلى التميز والرقي بمستوى الخدمات التعليمية والتربويّة المقدمة للمواطنين ولكن يجب أن أركز على عدة أمور للاستفادة من التعليم الفنلندي :

أولّا : لا يقبل من معلمي المرحلة الابتدائيّة إلا من كان حاصلا على مؤهل علمي عال في التخصص الذي يدرسّه ؛ ولتحقيق هذا الأمر يجب على إدارة التعليم أن تفتح المجال لمعلمي الابتدائية لدراسة الدبلوم في المادة التي يدرسونها وعلى الوزارة أن تعيد الدراسة المسائية الجامعيّة ومنح الحوافز لمن يحصل على مؤهل علمي وهو على رأس العمل ، كما أنّ للجامعات دور ودورها في زيادة أعداد قبول طلبة الماجستير في التربيّة .

ثانيًا : لا يكن اهتمامنا بالتعليم فقط شعارات وعمل ورقي بل يجب أن يكون هناك فعلا عمل  مؤسسي منظم وهادف فمثلا منظومة الأداء المدرسي التي طبقت أرهقت المعلمين والقادة وأبعدتهم عن عملهم الاساسي واصبحت في الغالب ورقيا فلو كانت على عدة مراحل مسبوقة بدورات تدريبية للمعلمين وقادة المدارس على الأقل في المهارات الإدارية كوضع الخطط الاستراتيجية التي تخطئ كثير من المدارس في صياغتها صياغة صحيحة.

ثالثًا : الثقة وما أدراك ما الثقة  , فهي عبارة عن سلسلة متدرجة بعلاقة طردية فالمعلم يجب أن يثق في طلابه وقدراتهم وإمكاناتهم وأن يثق في وزارة التعليم وكذلك يجب أن يكون هناك ثقة متبادلة بين قائد المدرسة ومعلميه ، وبين الوزارة والإدارة التعليميّة ومكاتب التعليم وهذا لا يتنافى مع المتابعة وطلب الشواهد فالله سبحانه وتعالى يقول : " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ " ..وما أعنيه بالثّقه هي  المبنيّة على إحسان الظن والاحترام  المتبادل والوقوف مع الحق ونشر العدل ؛فبذلك يزيد  العطاء والانتاج ،ويرتقي الوطن بإن الله تعالى إلى مصاف الدول المتقدمة في التعليم .

رابعًا : مراعات الفروق الفرديّة بين المعلمين ، وأن يكون هناك تقييم دقيق للأداء الوظيفي ، وتقديم حوافز مادية ومعنويّة للمتميزين ؛فإنّ ذلك يجعل المتميز يزيد في تميزه ، ومن هو دون التميز يسعى إلى الأفضل.      

خامسًا : لو نظرت نظرة للمباني المدرسية الفنلندية في الواقع فإن لم يتيسر ففي الانترنت سترى تلك المدارس المبنية حسب معايير عالمية لتناسب الفئات العمرية المختلفة وتناسب التعليم فقد زودت بأحدث الاجهزة والتقنيات , فيجب علينا الالتفات لمدارسنا وتطويرها .

تطوير التعليم والاستفادة من تجارب الدول المختلفة يجب أن يكون مبنيا على دراسات علميّة دقيقة تقوم بها الوزارة ، والاستفادة من الخبرات الميدانيّة ، والبحوث العلميّة والتربويّة التي تمتليء بها أروقة الجامعات  ، وأن يكون التطبيق على عدة مراحل متدرجة مع تقييم مرحلي لكل مرحلة والتطوير والتعديل .

همسة :

"العمل الناجح هو الذي يكون بعيدا عن الفلاشات , كي لا تعمينا عن رؤيته على حقيقته في أرض الواقع"

" السبب الرئيس في فشل الكثير من التجارب التربويّة والتّعليميّة هو أخذ النّظرية أو البحث وتطبيقه على مدارسنا في الغالب دون أخذ رأي الميدان التربوي في ذلك ؛فكيف تنجح التجربة التربوية والتعليميّة الجديدة ، والخبير التربوية الذي يقوم بها في الميدان هو آخر من يعلم "  

*باحث في الإدارة والتخطيط التربوي