قذف الأبرياء1

من أسباب شقاء المسلم ، ونزع بركة رزقه وعلمه ،وزوال أمنه ونعمه ،وذله وهوانه ،وحرمانه من السعادة وراحة البال هو اقترافه للذنوب والمعاصي متناسيًا قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )) ؛

لقد تهاون الكثير في قذف بعضهم البعض وما علموا أنّها كبيرة من كبائر الذنوب الموبقة والمهلكة ..

من المؤلم حقًا أنّك تجد أحدهم يقذف الآخر لمجرد الشك أو الظن كأن يقول لصاحبه او مجالسه : " شفت فلانه مع السواق مايله عليه ..أظن والله العالم انها تدغدغه .." ويرد عليه الآخر : "أكيد مافيه دخان من غير نار ". أو يقول أحدهم : "والله إني شفت فلان داخل مع الخدامة البيت ومامعهم  أحد في البيت ..تعال أوشوشك في إذنك : تراهم …." ؛ والأمثلة من هذا النوع في واقع المجتمع كثيرة ..!

لا أدري أين هؤلاء وأمثالهم من نصوص الوحي ومن معرفة دينهم ؟! ألم يمر عليهم في حياتهم الإسلاميّة أنّ الزنا لا يثبت إلا بأربعة شهداء من المسلمين تتوفر فيهم الحرية والعدالة وأن يتفقوا جميها على وصف دقيق للواقعة كدخول المرود في المكحلة ، وإن خالف أحد الشهود الآخر تبطل الشهادة ؛فكيف ببريءأو بريئة تُتَّهم لمجرد الشك أو الظن السيء ؟!

عندما كنت طالبا في كلية الشريعة كلفت ببحث في مادة البحث العلمي ، واخترت موضوعا بعنوان (ألفاظ القذف وعقوبته ) للكتابة فيه مراعيًا شروط البحث العلمية ، وقد حصل هذا البحث على الدرجة كاملة وعده مشرفه فضيلة الشيخ الدكتور محمد الخميس من البحوث المتميزه ؛فأحببت أن أنقل لكم في السطور التاليّة أهم ماجاء فيه لعل الله سبحانه وتعالى  أن ينفع به كاتبه وقارئه :

بدأت البحث بمقدمة قلت فيها : إنّ قذف المحصنات الغافلات المؤمنات من السبع الموبقات التي جاء الحديث الصحيح ببيانها، والموبقات من كبائر الذنوب التي لا سلامة من عواقبها المهلكة إلا بالتوبة النصوح؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصّلَوات الْخمْسُ والْجُمْعَةُ إلى الْجُمْعةِ كفَّارَةٌ لِما بيْنَهُنَّ ما لم تغْشَ الْكبَائِرُ)) يقول الشيخ عبد العزيز بن باز– رحمه الله تعالى –في شرحه لهذا الحديث: «فإذاسمعت النصوص التي فيها ذكر تكفير السيئات ببعض الأعمال الصالحة فاعرف أن هذا بشرط اجتناب الكبائر»؛ فاجتناب الكبائر ومنها القذف يعين على أداء فروض الدين، والابتعاد عن طريق المغضوب عليهم والضالين.

ثم بيّنت أسباب اختيار موضوع البحث ومنها :

1- استهانة كثير من الناس بخطورة هذا الذنب العظيم على الفرد والمجتمع، وهذا واضح جليّ في وسائل الإعلام لاسيما (الإنترنت).

2- تلفظ بعض الأطفال والشباب بكلمات القذف فيما بينهم، وبعضهم يرمي بها مازحا، أو تكون تعبيرا عن شوقه لصاحبه عندما يقابله بعد طول غياب.

3- الحاجة في هذا الوقت وفي كل وقت لإظهار حد القذف وألفاظه وعقوبته وخطورته ونشر هذا بين الناس.

بعد ذلك كتبت منهج البحث والخطة المنهجيّة ، ثم التعريف اللغوي والاصطلاحي للقذف عند المذاهب الأربعة ، ورجّحت التعريف التالي :

(قذف مكلف أو مكلفة باختيارهما محصنًا أو محصنة بوطءٍ أو نفي نسب)

قذف : هذا اللفظ يُخرج الذين ذكروا في سورة النور الآية ( 6)، فإن صِحّت شهادتهم شرعا ليست قذفًا وإنما تسمى شهادة،قال تعالى:﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوابِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

مكلف أو مكلفه : التّكليف يكون بالبلوغ والعقل، ويدخل في هذا غير المسلم، ويخرج الصغير والمجنون.

باختيارهما: يخرج ما كان بغير اختيارهما، كما لو كانا مكرهين أو نائمين.

محصنًا أو محصنةَ: شروط الإحصان خمسة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والعفاف، والحرّية.

بوطء: ويشمل اللواط أو الزنا.

نفي نسب: وهو نفي النسب من جهة الأب كأن يقول: أنت لست لأبيك.

"يتبع"