حصص الانتظار من البلايا التي
يبلى بها المعلم!
وقد يرتفع معها ضغطه وسكره!
وقد يصاب بطلقة من هذه
الحصص فتخترق كبده!
جربت الهرب منها
ولكن هيهات!
فهناك الجن والمخابرات!
التي تتقرب لمدير المدرسة
بنقل الحركات والهمسات٠٠٠
جربت مع هذه الحصة الضجر والتأفف
فلم أستفد شيئًا
بل إني آذيت نفسي!
هذه الحصة المنبوذة!
التي تشبه ( الجنية ) في شكلها
وثقل دمها!
حاولت أن أُجملها
وأخفف دمها!
وأحولها إلى متعة لي ولطلابي!
بالشعر والأدب بفنونه النثرية
المختلفة٠٠
كنت أحفظ كثيرًا من عيون الشعر
العربي
فقد شاركت في مسابقات
المساجلات
الشعرية أيام الجامعة٠
وأذكر أنني كنت أحصل على
المركز الثاني
وأحيانا الثالث!
أما المركز الأول فكان لطالب
أفريقي من جمهورية مالي!
كان أعجوبة في حفظه كانت
ذاكرته لا حدود لها!
ماشاء الله ٠٠
اتفقت مرة مع أحد زملائي
في الكلية
فحفظت مئتي ببت من قافية التاء
وكذلك فعل هو!
أعني أننا حفظنا أربع مئة بيت
من قافية التاء من قصائد مختلفة!
وهذا ماحصل إلا بعد
جهد وعناء
في تقليب الدواوين
وإدامة النظر فيها
بمكتبة الجامعة ٠٠٠
حتى كأننا في معسكر تدريبي!
كنا واثقين من الفوز عليه هذه المرة
أعتلينا خشبة المسرح
الحضور من طلاب القسم وبعض
الطلاب من كليات أخرى خصوصا
طلاب كلية الطب
الذين كانوا ينافسوننا
في هذه المساجلات!
كما كان يحضر هذه المساجلات
بعض الدكاترة!
تمكن هذا الطالب من الفوز علينا!
طبعا قمنا بتهنئته!
سألته كم تحفظ في هذه القافية؟
فقال: أكثر من خمسة آلاف بيت!
يعني
( متصدر لا تكلمني!)
وواصل قائلًا: لقد حفظتُ المعلقات
وعيون الشعر العربي
وأنا في المرحلة الابتدائية!
قلت له:
أمَّا نحن فقد حفظنا في الابتدائية
كوكو كوكو بان النور!
فوجدها هذا المالي فرصة
( للطقطقة علينا)
فقال: لذلك أصبحتم كالدجاج!
فقلت: أرجوك احترم نفسك
فنحن أهل اللغة العربية
وجزيرة العرب هي مهدها ومهادها
وأصلها وعمادها!
فقال: ماذا أقول:
وأنتم الذين ضيعتموها
وأفسدتموها وأصبحتم تتحرجون
من الحديث بها حتى لايسخر منكم
أحد بسببها!
وقد اطلعت على مناهج اللغة العربية
التي تدرس في مدارسكم لطلاب
المرحلة الثانوية ( المقررات والفصلي)
فوجدتها
خاوية هزيلة وفيها قلة أدب!
– قلة أدب!
نعم قلة أدب!
فقد حُذِفت منها
المعلقات والعصور الأدبية
وكل شعرائها الذين أثروا اللغة
بروائعهم الشعرية الشعرية الخالدة!
ياأخي سأعطيك مثالاً واحدًا فقط
والله لوكان المتنبي فرنسيًا
أو أمريكيًا لرأيت كيف يحتفلون به
في مناهجهم!
وأنتم حذفتم كل الشعراء
بِإبداعاتهم جملة وتفصيًلا!
أصبح الطلاب بعدها
لا يحفظون ولو بييتًا واحدًا
في المرحلة الثانوية!
أمعقول هذا يا راشد؟!
وبعد حوار طويل كان فيها
قصف متبادل للجبهات!
أصبح هذا الطالب المالي
من أصدقاء مجموعتنا!
طبعا لله وفي الله!
هذه الأنشطة أثرتني وأفادتني
وبنت كثيرا من ثقافتي!
ياسقى الله تلك الأيام!
أعود إلى حصة الانتظار
بدأت في الاستفادة منها
في مراجعة
حفظي من الشعر ٠٠
كلما دخلت على الطلاب
في حصة انتظار
ألقيت عليهم مقطوعات شعرية
اخترتها لهم
من عيون الشعر العربي
ألقيها عليهم بأسلوب جميل
أسلوب مشوق طالما
رأيت أثره على وجوههم!
كانوا يطلبون قصائد
في الغزل!
بحكم مرحلتهم التي يمرون بها!
فأعطيهم من الغزل العذري العفيف
خصوصا لمجنون ليلي
وعروة ابن الورد وكثير عزة
الذي كنت أعشق شعره!
ولم تخل تلك القصائد التي
ألقيها عليهم
من قيم جميلة
كقصائد المقنع الكندي
وطفيل الغنوي
الذي تعبت حتى وجدت
ديوانه فانتقمت منه بحفظ
عشرين قصيدة!
خصوصا قصيدته في الوفاء التي
استشهد بها أبو بكر الصديق
رضي الله عنه!
في سقيفة بني ساعدة
وهدأت بعدها نفوس الأنصار!
وهذه بعض أبياتها:
جَزَى الله عنّا جعفراً حين أزلفت
بنا نَعلنا في الواطئين فزلت
همُ خلطونا بالنفوس وألجؤوا
إلى حجرات أدفأت وأظلت
أبوا أنْ يَملّونا ولو أنّ أُمَّنا
تُلاقِي الذي يَلقَون مِنَّا لملَّتِ
لم تكن هذه القصائد
والمقطوعات الشعرية
فقط التي كنت أروح بها عن نفسي
ونفوس الطلاب!
بل قرأت لهم مختارات
من كتاب صور وخواطر
للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
ومختارات من كتاب
رسائل الأحزان للرافعي
رحمه الله
أما المنفلوطي رحمه الله
فقرأنا له العبرات والنظرات
كاملة في حصة المطالعة!
لقد وجدتهم يستمتعون بأسلوبه!
أتذكر قراءتي لهم لقصة
( غرفة الأحزان)
هذه القصة التي حفظتها
عن ظهر قلب !
وكلما قرأتها بكيت!
كتبها المنفلوطي
بحبر من الألم والأوجاع
بعد أن جفت دموعه!
قرأتها لهم بإلقاء هز مشاعرهم
حتى رأيت
الدموع في عيونهم!
ومن الطرائف أنني طلبت منهم
شراء كتاب العبرات
ليأتوا به في حصة
المطالعة!
لكن أحد الطلاب لم يأت به
هذه المرة!
سألته لماذاياعادل؟
يا أستاذ راشد:
أخبرك بعد الدرس!
جاءني بعد الدرس بمفاجأة
أثلجت صدري!
قال: يا أستاذ راشد
أختي أخذت مني
الكتاب!
قرأت فيه ثم تعلقت به
وقالت: لن أتركه حتى أنهيه!
كل هذه الفوائد
والفرائد التي
حصلت عليها
أنا وطلابي وأختنا هذه
كانت بسبب هذه الجنية
أقصد حصة الانتظار!
* مشرف تربوي- تعليم الرياض
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد