الذئب في الشعر العربي
أ.راشد بن محمد الشعلان
(خميسية النويصر الأدبية)
1438/3/9هـ
للعرب مع الذئب قصص غريبة, وأشعار وقصائد فريدة فهي تراه رمزاً للشجاعة, ومراتٍ كثيرة رمزًا للغدر والخيانة,وطالما وقعت بين العربي والذئب معارك شرسة!
فهذا الحيوان المتوحش له طريقة دموية للهجوم على فريسته, فهو يبدأ معاركه بعض فريسته من رقبتها! وغرز أنيابه المسمومة فيها,ومن دمويته وبطشه أنه عندما ينتصر على فريسته, إنسان كان أو حيوان فإنه يبدأ ببقر بطنها, وأكل كبدها وأحشائها!
وكان بعض البشر يقلدونه في هذه الدموية والوحشية للتفاخر بشجاعتهم!
وفي هذا قصص كثيرة ولعل من أشهرها قصة هند بنت عتبة, عندما بقرت بطن حمزة رضي الله عنه وأكلت كبده!
وعُرِف عن الذئب عزة النفس والأنفة والكبرياء, فهو لا يأكل الجيفة وإنما أكله دائمًا من اللحم الطازج سواءً كانت الفريسة إنساًنا أو حيوانًا!
ومن عزته بنفسه أنه إذا أُصيب أحد أعضائه فإنه يعرشه بأنيابه حتى يقطعه!
فلا وقت عنده للعلاج!
لكن مرحلة العداء بين الرجل العربي والذئب, تخللتها مرحلة من التصالح والتآلف والتعايش على مر الزمن! فهذا الشنفرى أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي بعد أن ظلمه أهله قام بتركهم, وعاش في الصحراء وحيدًا وصادق حيواناتها وعاش معها, وأصبحت هذه الحيوانات هي أهله ومن ضمن هؤلاء الأهل الذئب!
ولي دونكم أهلون سِيدٌ عمَّلَسٌ
وأرقط زهلولٌ وعرفاءُ جيألُ
ومن حبه للذئب وصداقته فقد قدمه على النمر العربي والضبع!
وتذكر لنا كتب تاريخ الأدب العربي الشاعر: الأُحيمر السعدي الذي عاش مع الذئب, وألِفه أكثر من الإنسان!
عوى الذئب فاستأنست بعوائه
وصوَّت إنسانٌ فَكُدتُ أطيرُ
وهذا الفرزدق شاعر العصر الأموي الذي يقول في قصيدته: إنَّه عرض الصداقة على الذئب بدلاً
عن القتال فقبل الذئب صداقته, فأكرمه الفرزدق بوجبة عشاء لم يذق الذئب مثلها في حياته!
وأطلسَ عَسّال وما كان صاحبًا
دعوتُ بناري مُوهِنًا فأتاني
فلمَّا دَنا قلتُ ادنُ دونك إنني
وإيَّاك في زادي لمشتركانِ
فَبِتُ أسوي الزاد بيني وبينهُ
على ضوء نار مرة ودُخانِ
وهكذا يقضي الفرزدق سهرة جميلة مع صديقه الجديد!
أمَّا أغرب قصيدة قيلت في الذئب, فهي قصيدة الشاعر الذي قتل ذئبًا وشواه على حجر وأكله!
وهو الشاعر العباسي أبو عبادة البحتري!
والغريب أنَّ البحتري أنعم شاعرعرفته العرب!
فقد كان يهتم كثيرًا بملبسه, وطيبه ودهانه ويبالغ كثيرًا في هذا,وكان بنو عمومته يُعَيرونه بهذه
النعومة ( ويطقطقون) عليه بسببها لدرجة أن ابنة عمه,التي أحبها وأحبته قد تأثرت بهذه الإشاعات
فقررت هجره!
وفكَّر البحتري بحلٍ يخلصه من هذه الإشاعات, فجادت قريحته بهذه القصيدة التي تُثبت شجاعته وفروسيته بل ووحشيته!
فهو يقول: إنه عندما خرج من الشام إلى بغداد وهو في الصحراء نفد ما كان معه من زاد, وكاد يهلك من الجوع خصوصًا أنه في صحراء جرداء لا أثر للحياة فيها, وفي حرٍّ شديدٍ تصل درجة حرارته إلى أكثر من الخمسين درجة مئوية! و في آخر الليل يخرج له ذئبٌّ ضخم موحش عليه كل علامات الجوع! فتنشأ معركة ما عرفت لها العرب مثيًلا شعارها:
الصراع من أجل الحياة!
فكلاهما جائعان وكلاهما يريدان البقاء! يبدأ البحتري قصيدته بعتاب محبوبته التي صدَّقت الإشاعات التي أشاعها عنه بنو عمه في تويتر وأنشأوا لها الهاشتاق الذي وصل إلى الترند العالمي
# البحتري- ناعم- كالفتاة
– سلام عليكم لا وفاءٌ ولا عهدُ
أما لكم من هجر أحبابكم بُدُّ
أأحبابنا قد أنجز البَينُ عهدهُ
وشيكًا ولم يُنجز لنا منكم وعدُ
إنّه يتهم محبوبته بالغدر والخيانة ولكنه سُرعان ما يعطف عليها بعد أن علِم بحالها بقوله:
وباكية تشكو الفراق بأدمعٍ
تُبادِرُها سَحَّاً كما انتشر الِعِقدُ
وبعد عتاب محبوبته في ستة أبيات ينتقل بِنَا البحتري ليصف لنا معركته مع الذئب التي جرت في آخر الليل:
وليلٌ كأن الصبح في أُخرياته
حشاشةُ نصلٍ ضم إفرنده غِمْدُ
تسربلتُه والذئب وسنانُ هاجعٌ
بعين ابن ليل مالهُ بالكرى عهد
يقول في هذا الليل الموحش لم أتخلَ عن سلاحي, ثم في مشهد جميل يقول : إنه اتخذ من الليل لباسا جميلا, وأنه في هذا الليل الموحش لا يرى الذئب إلا بصعوبة! وهنا يبدأ البحتري بوصف الذئب:
وأطلسَ ملءِ العينِ يحملُ زَوْرَهُ
وأضلاعه من جانبيه شوًى نَهْدُ
يقول هذا الذئب في لونه غبرة تميل إلى السواد وأنهُ ضخم جدًا لدرجة أن منظره يملأ العين! وأضلاع صدره بارزة مخيفة وقوائمه طويلة٠
له ذنبٌ مِثْلِ الرِّشاءِ يَجُرُهْ
ومَتْنٌ كَمَتْنِ القوسِ أعوجُ مُنَأدُ
أي له ذنبٌ طويل يجره مثل حبل الدلوالذي يستخرج به الماء من البئر! وله ظهرٌ مُعْوَجٌ مثل القوس, وهذه صفة تعني تَوَثُّب الذئب واستعداده للهجوم!
سَمَا لي وبي مِن شِدَّةِ الجوعِ مابهِ
ببيداءَ لم تُعرفْ بها عيشةٌ رَغْدُ
يقول: لقد ظهر لي هذا الذئب, وأنا في شدة الجوع وهو كذلك هنا كانت حتمية المواجهة والصراع
من أجل البقاء، فكلانا في صحراء جرداء قاتلة لا يوجد بها شيء يُؤكل!
طواه الطَّوى فاستمر مريره
فما فيه إلا الروحُ والعظمُ والجلدُ
هذا الذئب مِثلي فقد أشرف على الهلاك من شدة الجوع فماذا تتوقعون منه؟
واستمر مريره كناية عن شدة الجوع!
يُقَضْقِضُ عُصْلًا في أسِرَّتَها الرَّدى
كَقَضْقَضَةِ المقرور أرعدَهُ البَرْدُ
هذا الذئب له أنياب تطقطق من شدة الجوع كما تطقطق أسنان الإنسان من شدة البرد,ولكن شتَّان بين الطقطقتين!
كلانا بها ذئبٌ يُحَدِّث نَفْسَهُ
بصاحبه والجَّدُّ أتعسهُ ألجَّدُّ
هنا يتخلّى البحتري عن آدميته ويتحول إلى ذئب في مواجهة ذئب آخر!
وكلاهما في معركة من أجل البقاء.
الذئب البشري يريد أكل الذئب المتوحش والذئب المتوحش يريد أكل الذئب البشري!
وحُسْن حظ أحدِهما هو سوء حظٍ للآخر في هذه المعركة التي لن تنتهي إلا بموت أحدهما!
عوى ثم أقعى فارتجزتُ فهُجتُهُ
فأقبلَ مِثلُ البرقِ يتبعهُ الرعدُ
لحظات سريعة وتبدأ المعركة, وكعادة أي معركة لا بد أن يكون قبلها حربٌ إعلامية!
هذه الحرب الإعلامية تمثلت في عِواء الذئب بعد أن جلس على مؤخرته ليأخذ وضعية الانطلاق والهجوم
ولكن البحتري رد عليه بصيحاتٍ قوية! ما إن سمعها الذئب إلا وانطلق مثل البرق الذي يتبعه الرعد.
كان الذئب هو الذي بدأ المعركة لأن المعركة على أرضه وأنه موقن بالانتصار!
وتتابع حروف العطف في هذا البيت يدل على سرعة توالي أحداث هذه المعركة!
فأوجَرْتُه خرقاءَ تَحْسِبُ ريشها
على كوكبٍ يَنْقَضُ والليلُ مُسْوَدُّ
ما إن ينطلق الذئب باتجاه شاعرنا إلا ويرميه بسهم من سرعته كأن ريشه نجم خرَّ من السماء في ليلة مظلمة!
وهنا حمي الوطيس واشتدت المعركة لأن هذا السهم كان في فخذ الذئب!
فيا تُرى ما ردة فعل الذئب؟
فما ازداد إلا جرأةً وصرامةً
وأيقنتُ أنَّ الأمرَ منهُ هو الجِدُّ
هذا الذئب لم تزده الطعنة الأولى إلا الإصرار والتصميم على المواجهة بدلاً عن التراجع!
وهنا أيقن شاعرنا أنَّ الأمر جِد!
فماذا فعل؟
فأتْبَعْتُها أخرى فأضْلَلْتُ نَصْلَها
بحيثُ يَكُونُ اللبُ والرعبُ والحِقدُ
رمية شاعرنا الثانية كانت في قلب الذئب وهو مكان الرعب والحقد.
هذه الرمية هي التي قضت عليه وطرحته ينزف الدم من قلبه!
فَخَرَّ وقد أورَدتُهُ منهل الردى
على ظمإٍ لو أنه عَذُبَ الوِرْدُ
وتصوير الموت بالمنهل العذب يأتي متناسبًا مع اندفاع الذئب وكأنه عطشان رأى الماء فاندفع إليه!هذا المنهل كان مُر المذاق لقد كان الموت الزؤام!
لقد انتصر البحتري على الذئب ولكن المعركة لم تنتهِ بعد! فالبحتري يظهر مزهوًا بانتصاره لكنه يريد أن تكتمل فرحته بأكل الذئب ليسد جوع, وحتى يأكل ليعيش!
وقمتُ فَجَمَّعْتُ الحصى فاشتويتُه
عَلَيْهِ وللرمضاءِ من تحته وقدُ
بعد أن ذكَّى البحتري فريسته قطَّعها قطعا صغيرة وشواهاعلى حجر مثل ( المظبي)
وبعضها مثل المدفون تحت الرمال الملتهبة!
وبعد أن نضج المظبي والمدفون
ونِلْتُ خسيسًا منهُ ثم تركتهُ
وأقلعتُ عَنْهُ وهو مُنْعَفِرٌ فَرْدُ
يقول: لقد أكلتُ منه ما سد جوعي وأبقى حياتي!
وبقية لحمه تركته تحت التراب!
إن روعة هذه القصيدة تظهر في ظرافتها والقدرة العاليةعلى تصوير مشاهدها المتسارعة
وما فيها من انفعالات, ودقة لوصف أرض المعركة ومؤثراتها,جعلت الشاعر وكأنه مصور محترف
نقلنا معه إلى وسط المعركة!
* مشرف تربوي- تعليم الرياض
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين..مركز الملك سلمان ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة ..... المزيد
المؤتمر الوزاري العالمي من جدة: إنشاء مركز تعلم الصحة الواحدة لمقاومة مضادات الميكروبات ..... المزيد
ولي العهد يلتقي الفريق الطبي السعودي الذي نجح في إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة باستخدام الروبوت في العالم ..... المزيد
“الصحة”تطلق حملة التحصين التكميلية للحصبة والحصبة الالمانية والنكاف ..... المزيد
سبل والصحة يوقعان اتفاقية على هامش ملتقى الصحة العالمي 2024 ..... المزيد
فهم ما يجري في المنطقة من اضطرابات
صدقة يحيى فاضلمجتمعنا بحاجة لمؤسسة تعزيز الصحة
الدكتور عبدالرحمن القحطانيهل بدأ اليوم التالي في المنطقة؟
حمود أبو طالبالتعليم: لا علاقة للعلاوة السنوية بالرخصة المهنية ..... المزيد
ضبط 3.6 طن من الثوم المخالف في نطاق بلدية بريمان بجدة ..... المزيد
البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية ..... المزيد
أمانة جدة تزيل 34 مظلة مخالفة ضمن حملة ميدانية لتصحيح المشهد الحضري” ..... المزيد
أمانة محافظة جدة تعزز التواصل بين القيادات والموظفين في اليوم العالمي لإدارة المشاريع ..... المزيد
شاركنا بتعليق
لا يوجد تعليقات بعد