(حقول الدم) سارا خلف المحمد

سارا خلف المحمد

 "لقد فقدنا حاسة الشرف أمام الأقدام العارية والثياب الممزقة "  

لا شيء يستحق الوقوف.. لا شيء يستحق الغضب، عربي، سوري، مسلم،  هو القتيل أكملوا المسير.

من علم العالم أن يحتقرنا ؟ من علم البحار والمطارات اننا الشر القادم من الشرق ؟ من علم الغابات والأشجار أن تبغضنا ؟ من علم الأرض أن ترفضنا ؟ 

من علم العالم أننا أمة لا شرايين تربطها ؟ اختراقنا سهل واحتلالنا سهل ، أنهكتنا الحروب والحرائق والمذابح .

 كم من الأعوام ونحن نتغنى بأمة عربية واحدة، لكن الحلم قتل ككل الأحلام العربية؟.

 بقيت الوحدة حلم عربي بعيد المنال وكل يوم يبتعد أكثر وأكثر إلى أن تحولنا إلى أمة الانشقاق والمؤامرات والعداء.. أمة الكراهية بامتياز.. أمة الكوابيس العربية، والمجازر اليومية .

 لماذا لا نتفق لا في الحرب ولا في السلم ؟ رغم أن عدونا واحد وحربنا واحدة.. لماذا يمضي العالم نحو الفضاء والعلم والمعرفة، وأبناءنا يمتهنون زراعة المفخخات في مساجدنا ؟ لماذا نأكل بعضنا ونحفر لبعضنا ؟ 

أصبح لدى صهاينة العرب، وصهاينة إسرائيل قناعة بأن أرواح العرب رخيصة، وحرق أطفالهم أو ارتكاب مجزرة ، ليست جريمة  تستحق أن يتحرك لأجلها لا الإعلام العربي ولا العالمي.

 فمجزرة كالتي حدثت في دوما وراح ضحيتها أكثر من مئة شخص  لا تحرك الضمائر العربية ولا العالمية، بعد أن تحول العالم العربي إلى محرقة.

 الجميع يشارك بوقودها، صار الدم العربي مستباح،  فالصهاينة والنصيريون والصفويون يتسابقون لإبادتنا.. متى يقتنع مجتمعنا العربي أن الحرب الدائرة بيننا وبين بني صهيون وبني صفيون ليست حرب سياسية فقط وإنما هي حرب دينية بالمقام الأول؟  

نعم دماؤنا رخيصة، أرواحنا رخيصة، لو أن كلباً قتل ظلماً لتحركت لأجله جمعيات حقوق الحيوان، وعقدت الاجتماعات وتباكى أهل الفن وخرجوا في مظاهرات.

لو لم تكن دمائنا رخيصة لما قتل نظام بشار وشركائه الصفويون وأذنابهم نصف مليون مواطن بشتى أنواع القتل دون أن يتحرك ضمير هذا العالم.

لو لم تكن رخيصة لما اختلطت دماء العزل الأبرياء بالخضار في السوق الشعبي في دوما التي تُباد أمام صمت عالمي مريب!

لو لم تكن رخيصة لخرج أولئك المتباكين على كوباني وبكوا على دوما و الزبداني !

 لو كانت دماؤنا تحرك شوارع أمريكا وأروبا لما قتل ملايين العراقيين والسوريين باسم الطائفية.. من كثرة المجازر التي ارتكبت في سوريا والعراق أصبحنا بحاجة لمجلدات لذكر أسماء المجازر فقط.. "نحن الذين لا وزن لهم إلا في الطائرات ". 

 من طغاتنا تعلم العالم أننا مجرد أرقام قياسية، مجازرنا بالأرقام وضحايانا أعداد لا أسماء لهم..  عرف الصهاينة أن حرق فلسطين وأطفال فلسطين ليس جريمة تستحق الوقوف عندها كثيراً مجرد تعاطف سريع على صفحات التواصل من قبل مراهقين ومتعاطفين وباحثين عن الشهرة لا يعرفون أين تقع فلسطين، وينتهي الأمر سريعاً في هاشتاق على تويتر وبعض التغريدات الغاضبة التي نتداولها لعدة أيام وينتهي الأمر عند هذا الحد من الغضب، عند هذا الحد من الألم .

 كيف يمكن أن نعيش بسلام مع من يرى أن الطريق إلى الجنة يمر عبر دمائنا ؟

 كيف نثق بمن يدبر المؤامرات ويزرع الخلايا ويسعى لإبادتنا ؟ ترى هل من الممكن التعايش مع من أصدر له الخميني جواز لدخول الجنة قبل أن يأتي ليشرب من دماء أطفالنا؟ كيف نحمي حدودنا وعدونا يرى الطريق إلى الجنة يمر عبر مدننا العربية؟ متى نتفق أن الحروب التي تدار من الحوزات وتحركها فتاوى الخميني والسيستاني وينفذها الخونة ممن عاش على أرضنا، نحتاج لحروب مضادة تدار من المساجد ويقودها رجال الأمة المخلصين.   

لم تسير الوفود والقادة في مسيرات تضامنية لأجل مليون عربي قتل حرقاً وصلباً وقصفاً. 

  فهل سيحركهم طفل فلسطيني حرق أو مجزرة راح ضحيتها المئات؟ هل ستستيقظ ضمائرهم فجأة؟ 

اطمئنوا أيها الصهاينة، أيها الصفويون والنصيريون ناموا وأنتم مرتاحي الضمائر، لا حرق القدس حركنا ولا حرق أطفال فلسطين سيحركنا ولا أطفال سوريا ولا العراق تحركنا.

شجبنا وندبنا واستنكرنا وصدمنا وهذا أقصى ما نستطيع فعله.  نحن أمة متهمة بالإرهاب من يدافع عن حقة منا إرهابي، إسلامي، متطرف، نعم كل حقوقنا ضاعت باسم الإرهاب. 

لن نجد من يسير في جنائزنا لأننا أمة لا بواكي لها، أمة أذلها الطغاة، لو تخيلنا مجرد خيال، أن العكس حدث مسلم حرق أو قتل صهيوني!! كم عربي سيستنكر الجريمة البشعة بحق اليهود الأبرياء ؟ 

كم كاتب عربي متصهين سيخصص مقال لأطفال اليهود؟ 

كم مسيرة ستسير باسم البراءة اليهودية؟ 

كم قائداً عربي سيتضامن مع الطفل اليهودي المغدور؟ 

كم كاتب عربي سيحدثنا عن الإرهاب الفلسطيني بحق اليهود المسالمين؟ كم قلم عربي متصهين سيتحرك لنصرة المظلومين من بني صهيون ؟ 

لكن القتيل الشهيد البريء، الحريق، عربي!  وهذه بحد ذاته جريمة، لا تستحق الوقوف، لأن العالم المتخاذل اعتاد دماء العرب.. الأمر الغير عادي هو أن يمر علينا يوماً لا دماء فيه لا جنائز تشيع. 

الأمر لا يستحق غضباً شديداً ولا مسيرات تضامنية القليل من الغضب المؤقت السريع يكفي. 

حرق العروبة بأكملها ليس خبراً يستحق أن يأخذ الكثير من أوقات السياسيين، فما الجديد؟  نحن أمة تحترق منذ سنوات بالكيماوي والقصف والأسلحة الخفيفة والثقيلة، نحن نصلب ونقطع وهذه كلها أمور اعتادها العالم، كم مرة اختلط الدم بالخبز!  وما الجديد هذه المرة اختلط الدم بالخضار، كانت الجرائم أمام الأفران والمخابز واليوم في سوق شعبي مجرد تغيير أماكن. 

فليستمر الموت لأجل حياة الطغاة، وليحرق اطفالنا لأجل كراسي الطغاة.. الموت والحرق في بلادنا العربية بالمئات والألاف شيء عادي والأشياء العادية لا تستحق الوقوف طويلاً مجرد المرور يكفي، سيروا أيها المارون على أجسادنا، سيروا بنعالكم فوق أحلامنا، لم يعد هناك شيء نخسره خسرنا كل شيء .  

اكملوا المسير ولا تتوقفوا فلا شيء يستحق الوقوف مجرد عرب يقتلون، أطفال يحرقون.  

لا شيء يستحق الوقوف مجرد شعوب عربية تُباد وعواصم عربية تحترق.