من ملامح يوم الوطن

الأحد 4 محرم 1439هـ 24-9-2017م - 06:30:38 ص

سالم عبدالعزيز الحسن

لا تحتفل أمة بيومها الوطني إلا وهي في رغد من العيش..وما لم يتذكروا ويتذاكروا ضد هذه المرحلة فلن يجدوا ليومهم هذا غير أنه فرصة للسفر للخارج أو للألعاب والحفلات الترفيهية وكأنه يوم للترويح عن النفس..

فهل هذا مقصود الوطن ويومه؟!!..

لا زال يومنا الوطني مع كل ما يقام فيه من أفراح وفعاليات باذخة بحاجة ماسة لأن يظهر في ثناياها المقصود منه بشكل جلي..وهو الذي ما زلت أرى أننا لم نصل إليه وإن كنا نتقارب إليه من بعيد..

وهنا تظهر أول إشكالاته التي تتطلب وعيا متزايدا تجاهه تضمن لنا تعميق الحب الفطري للوطن الهوية والوطن المشاعر والوطن الممتزج بين تأريخه وحاضره ومستقبله وليس بالاقتصار على الوطن الأرض..

ويقيني أن الصورة لفعاليات هذا اليوم بالرغم من الاستعدادات الطويلة لها لا تلبي هذا المطلوب بدرجة معقولة بالرغم أنه محور فكرة اليوم الوطني..

ولن أتأمل هنا أسباب ذلك حتى لا تطيش بنا الأفكار غير أني أؤكد أنه ليس من حسن العقل والذوق أن ندعى لحفلة زواج ثم نشاهد في الحفلة أن العريس والضيوف يحيون ليلتهم بالتسلي بلعب كرة القدم..

سيكون الحال حينها منظرا مستفزا ومستنكرا من الجميع..

ليس لأن كرة القدم معيبة أو خاطئة..

لكنها ليست في المكان والزمان اللأئق بها..

لذلك تبقى برامج هذا اليوم بحاجة لتغييرات وتحسينات كبيرة متى أدركنا الغاية من يوم الوطن وسعينا لتحقيقها..

إشكالية مهمة أخرى تتقاطع في تأريخ هذا اليوم الوطني وللأسف أنها لا تخضع لمناقشات تليق بها في أروقة المثقفين والسياسيين ناهيك عن الدوائر المتعلقة بهما بما تستحقه من الحوارات العلمية الراقية..

هي إشكالية الموقف الشرعي وفهمه ونقده لمفهوم اليوم الوطني وما يتعلق به من أحكام..

لا زال الغموض يلتف حول هذه المسألة التي مرت بمواقف وفتاوى رسمية لأعلى مراجعها العلمية وكانت تقف موقف الرفض التام لفكرة الاحتفال باعتبار تصورها للمسألة أنها عيد شرعي باطل..

وبالرغم من خروج فتاوى معاكسة من أفراد ينتمون لذات المدرسة إلا أنها أصوات خافتة وغير مقنعة للتيار الملتزم بفتاوى المنع سيما أن الالتزام بها من الدولة كان ظاهرا بصورة رسمية زمنا ليس بالقصير من خلال الابتعاد تمام عن الاحتفالات والمهرجانات المصاحبة..ولا تتجاوز أكثر من تلقي التهنئات الرسمية من الدول وبعض كتابات باردة في الصحف ينظر في الغالب لمن يكتبها أنه متملق أو لظروف المناصب..

وليس من العسير علينا أن نتجاوز هذه المعضلة بسهولة إذا تولت المراجع الشرعية المختصة تفكيك الصورة المشوهة لمفهوم اليوم الوطني وتعديلها لتكون في حالة صحيحة شرعا وتزول معها الاعتراضات التي لا تزال تواجهه..

إشكالية ثالثة في يوم الوطن تتمثل في كثير من التعليقات المعبرة عن حجم الأزمة الأخلاقية بين التيارات المتصارعة في فوضى غير خلاقة لا تسعى نحو التصافي والتقارب لخدمته بل للمناكفة ضد بعضها وبذل ما تستطيع كل فئة لتشويه الأخرى وتجريمها..

كم هو معيب في حق الوطن أن نجعله في يوم فرحه بالنعمة العظيمة التي أسبغها الله عليه سببا لمزيد من الأحقاد عبر تغذية أسبابها..

كم هي كارثة أن نستعمل مواقف التوحد لتكون سبيلا للتنفيس عن أمراض الصدور وتشوه العقول ورداءة الأخلاق..وهذه كلها تطعن في الوطن الذي فكرته الاجتماع والمحبة في إطار الوحدة التعددية..

لست هنا أغمز أو ألمز بتيار ضد تيار..

بل الجميع سيكون متهما طالما أنه غير مهتم باجتماع الكلمة وحفظ أمننا ومستقبلنا..

فيا من بقي من عقلاء المجتمع في أنحاء مواقعه السياسية والفكرية والمذهبية..

أي قيمة لكم يحفظها التأريخ إن لم تصنعوا من يوم الوطن نسيجا يضمن بأمر الله أن نراه دوما في أيام اجمل لوطن يتطور أخلاقيا واقتصاديا وعلميا بما يليق به من مقدسات رفعنا الله بها بين العالمين..

ولكل شيء بقية..

إلا الوطن فهو البقية لمن أراد الباقيات الصالحات..

فهي عند ربنا خير ثوابا وخير أملا..