بيع الكبدة!

السبت 7 يناير 2017م - 06:43:24 ص

أ.راشد بن محمد الشعلان

(لطائف أدبية )

حدثت في زماننا هذت تطورات وتحولات ما كانت معروفة في الأزمنة السّابقة ولعل من أهمها بيه وشراء الكبد ! أنا لا أتحدث عن مطاعم ( كبدة الحِلَّة أو(كبدة شارع عسير) التي طالما أدمنت عليها مع أصدقاء العمر فترة طويلة أيام العزوبية ! ياسقى الله تلك الأيام ! أنا أتحدثُ عن كَبِد الإنسان وأنها صارت تُباع وتُشترى! خصوصًا لمن ابتلاه الله بداء الكَبِد أسأل الله أن يشفي مرضى المسلمين! تذكرت هذا وأنا أقرأ قصيدة لابن معصوم المدني يقول في مطلعها :

ولي كبدٌ مقروحة ٌ من يبيعني

بها كبداً ليست بذات قروح

أبى الناسُ وَيْبَ الناس لا يَشترونها

ومن يشتري ذا علة ٍ بصحيح

أئنُّ من الشَّوق الذي في جَوانحي

أنينَ غَصيصٍ بالشراب قَرِيحِ

الشاعر هنا يعرض على الناس في بيته الأول عرضًا غريبًا فهو يعرض كبده التي امتلأت بالجروح والقروح كبده التي طالما آلمته ومنعته لذائذ الحياة يعرضها للبيع مقابل كبدٍ سليمة ليتنعم بالحياة! ويعيش مثل بقية خلق الله وكما يقول البلاغيون أنَّ الغرض من الاستفهام هنا ليس لأجل الإجابة! بل خرج الاستفهام عن معناه الحقيقي إلى الحسرة والاستحالة! ولكن الاستفهام عن شراء الكبد في عصرنا هو استفهام حقيقي!

هذه ليست فلسفة كاتب لأن الدنيا تطورت وأصبح بإمكان الشاعر أن يشتري كبدًا (صينية) تلمع ليس بها ولا حتى خَدْشٍ بسيط ! وقد تكون هذه الكبد لغادة من الغِيدِ الحسان لكني مع ذلك أثق أنَّ الشاعر سيتراجع عن عرضه هذا إن رأى أنَّ الإجابة ستكون ممكنة! لأنه يريد أن يعيش في الحب ويتلذذ بهواه بالرغم من جراح كبده وقروحها إنه شاعر عاشق وهل تطيب حياة العُشَّاق إلاَّ بالعذاب وأنينه والألم وزفيره! ليت من يُخبر هذا الشاعر العاشق أن كل شيء في عصرنا أصبح يباع ويُشترى! حتى الذِّمم والضمائر أصبحت تُباع وتشترى! أخْبِروا شاعرنا أن هناك أناسًا في عصرنا قد باعت ضمائرها ومبادئها التي نشأت عليها سنين طويلة! ومنهم أناس أعرفهم جيدًا باعوا ضمائرهم في سبيل المصلحة فهم مرة يأخذون دور فرقة حسب الله في التطبيل والتزمير ومرة يأخذون دور (الشَّبيحة) في الدفاع عن صاحب الكرسي! لأنهم يعرفون أنَّ حياتهم متعلقة ببقائه فهو اشترى منهم ذِممهم وضمائرهم! بِفُتاتٍ من فُتات هذا الزمان!

*الرياض – حي السويدي